التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من أنظر معسرًا

          ░18▒ بَابُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا.
          2078- ذَكر فيه حديث أبي هريرة: عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ).
          هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا وللحاكم على شرط مسلم: ((خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا)) وفيه: ((فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ)) وفي أفراد مسلم مِنْ حديث أبي قَتَادة مرفوعًا: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ)) وله مِنْ حديث رِبْعيٍّ عن أبي اليَسَر مرفوعًا: ((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي عَرْشِهِ)) قال الحاكم: ورواه زيدُ بن أسلمَ وحَنْظَلةُ بن قيسٍ أيضًا عن أبي اليَسَر، ولابن أبي شَيْبة عن ابن مسعودٍ مرفوعًا: ((حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُوسِرًا، يُخَالِطُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِغِلْمَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَن المُعْسِرِ، فَقَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: لنَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ)).
          فيه والباب قبله أنَّ الرَّبَّ _جلَّ جلاله_ يغفر الذُّنوب بأقلِّ حسنةٍ توجَد للعبد، وذلك _والله أعلم_ إذا حصلت النِّيَّة فيها لله، وأن يريد بها وجهَه وابتغاءَ مرضاتِه، فهو أكرم الأكرمين ولا يخيِّب عبدَه مِنْ رحمته، وقد قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:11] وللتِّرمذيِّ في هذا الحديث أنَّه يَنظر فلا يجد حسنةً ولا شيئًا، فيُقال له، فيقول: ما أعرف شيئًا إلَّا كنتُ إذا داينتُ مُعْسرًا تجاوزتُ عنه، فيقول الله تعالى: أنت معسِرٌ ونحن أحقُّ بهذا مِنْك.
          وفيه أيضًا أنَّ المؤمن يلحقُه أجرُ ما يأمر به مِنْ أبواب البِرِّ وإن لم يتولَّ ذلك بنفسه، وفيه أيضًا إباحةُ كسب العبد، لقوله: آمرُ فتياني، والفتيان: المماليك والفتية، قال تعالى: {وَقَالَ لِفِتْيَتِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ} [يوسف:62].
          وفيه توكيلُهم على التَّقاضي، ومعنى يُنْظِروا: يؤخِّروا، وفيه أنَّ العبد يحاسَب عند موته بعضَ الحساب، وفيه أنَّه يخبَر بما يصير إليه، وفيه أنَّه إن أنظره أو وضع عنه ساغ ذلك، وهو شرعُ مَنْ قبلَنا، وشرعُنا لا يخالفُه بل ندب إليه.
          وقوله: (تَجَاوَزُوا عَنْهُ) يدخل فيه الإنظارُ والوضيعةُ وحسنُ التَّقاضي.
          وقوله: (أُيَسِّرُ عَلَى المُوسِرِ، وَأُنْظِرُ المُعْسِرَ) قال ابنُ التِّين: رواية غيره أَولى: ((أُنْظِرُ المُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ)) وأمَّا إنظار المعسر فواجبٌ.