التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب بيع التمر بالتمر

          ░74▒ بَابُ: بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ.
          2170- ذَكر فيه حديث عمر (عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: البُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ).
          هذا الحديث سلف في باب: ما يُذكر في بيع الطَّعام والحُكْرة، ولفظ الحديث والتَّرجمة: (التَّمْرُ بِالتَّمْرِ) بالتَّاء المثنَّاة، وكذا هو بضبط الحُفَّاظ، وتقدَّم الكلام على (هَاءَ وَهَاءَ) واللُّغاتِ في ذلك.
          قال ابن بَطَّال هنا: وهي في كلام العرب خُذْ وأَعْطِ، المعنى: لا يجوز بيعُ التَّمر بجنسه إلَّا يدًا بيد.
          قال مالك: الأمر المجمَع عليه عندنا أنَّه لا تُباع الحِنطةُ بالحِنطةِ، ولا الشَّعيرُ بالشَّعيرِ، ولا التَّمرُ بالتَّمرِ، ولا الحِنطةُ بالتَّمرِ، ولا شيءَ مِنَ الطَّعام كلِّه بعضِه ببعض، إلَّا يدًا بيدٍ، فإنْ دخَل الأجلُ شيئًا مِنْ ذلك فلا يصلُح وكان حرامًا، قال: وكذلك حُكم الإدام كلِّه، وعلى هذا عامَّةُ علماء الأمَّة بالحجاز والعراق، أنَّ الطَّعام بالطَّعام مِنْ صنفٍ واحدٍ كان أو صنفين، فإنَّه لا يجوز فيه النَّسيئة، فهو بمنزلة الذَّهب والوَرِق، وكذلك حُكمُ كلِّ ما يُكال أو يُوزن ممَّا يُؤكل أو يُشرب حُكم ما ذَكره رسول الله صلعم مِنَ البُرِّ والشَّعير والتَّمر في ذلك.
          قال مالكٌ: إذا اختَلف ما يُكال أو يوزَن ممَّا يُؤكل أو يشربُ فلا بأسَ باثنين منه بواحد يدًا بيدٍ لا بأس أن يؤخذ صاعٌ مِنْ تمرٍ بصاعين مِنْ حِنطة، وصاعٌ مِنْ تمر بصاعين مِنْ زبيبٍ، وصاعٌ مِنْ حِنطةٍ بصاعين مِنْ تمرٍ، فإن دخلَ ذلك الأجلُ فلا يحلُّ، قال: ولا تُباع صُبْرةُ الحِنطة بصُبْرة الحِنطة، ولا بأسَ بصُبْرةِ الحِنطة بصُبْرة التَّمر يدًا بيد.
          قال مالك: وكلُّ ما اختَلف مِنَ الطَّعام أو الإدام فبان اختلافُه فلا بأس أن يشتريَ بعضَه ببعضٍ جِزافًا يدًا بيدٍ، وشراءُ بعضِ ذلك جزافًا كشراء بعضِ الذَّهب بالذَّهب والورِق جزافًا، واتَّفق أهلُ الحِجاز والعراق على أنَّ التَّفاضل جائزٌ في كلِّ ما اختَلف أجناسُه مِنَ الطَّعام، لأنَّه إذا اختلفتْ أجناسُه اختلفتْ أغراضُ النَّاس فيه لاختلاف منافعِه، فلذلك جاز بيعُه متفاضِلًا، وكلُّ ما جاز فيه التَّفاضُل جاز بيعُ بعضِه ببعضٍ جِزافًا معلومًا بمجهولٍ، ومجهولًا بمجهولٍ، وما لا يجوز فيه التَّفاضُل فلا يجوزُ بيعُه جِزافًا، ولا يُباع معلومٌ بمجهول، إلَّا أنَّ مالكًا يجعل البُرَّ والشَّعير والسُّلْتَ صنفًا واحدًا، لا يجوز فيه التَّفاضُل أحدهما بصاحبه، وهو قول اللَّيث والأوزاعيِّ، وعند الكوفيِّين والثَّوريِّ والشَّافعيِّ يجوز بيعُ الشَّعير بالبُرِّ متفاضلًا، وهما جنسان عندهم، وهو قول إسحاقَ وأبي ثور.