التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من لم يبال من حيث كسب المال

          ░7▒ بَابُ: مَنْ لَمْ يُبَالِ مِنْ حَيْثُ كَسَبَ المَالَ.
          2059- ذكر فيه حديثَ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ).
          هذا الحديث مِنْ أفراده، ونحوُه حديث الحسن عن أبي هريرة _☺_ أيضًا مرفوعًا: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى فِيْهِ أَحَدٌ إِلَّا أَكَلَ الرِّبَا فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ)) أخرجه الحاكم، ثمَّ قال: إن صحَّ سماع الحسن مِنْ أبي هريرة فهذا حديثٌ صحيح.
          وهذا يكون لضعف الدِّين وعموم الفتن، وقد أَخبر صلعم أنَّ الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا، وأَنذر بكثرة الفساد وظهور المنكَر وتغيُّر الأحوال، وذلك مِنْ أعلام نبوَّته.
          وفي الحديث: ((مَنْ مَاتَ كالًّا مِنْ عَمَلِ الحَلَالِ مَاتَ وَاللهُ عَنْهُ رَاضٍ، وَأَصْبَحَ مَغْفُورًا لَهُ)).
          و((طَلَبُ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ)) ذكره الجَوزيُّ مِنْ حديث ابن عبَّاس في «ترغيبه وترهيبه».
          وهو مثلُ مقارعة الأبطال في سبيل الله، فأَخبر بما ذكره تحذيرًا لأنَّ فتنة المال شديدة، قال ابن سِيرينَ: لو علمتُ مائدةً يؤكل عليها رغيفٌ حلالٌ لانتحلت به، وكان هذا على وجه التَّوقِّي، وقد دُعِيَ أبو هريرة إلى طعام، فلمَّا أكل لم يرَ نِكاحًا ولا خِتانًا ولا مولودًا، قال: ما هذا؟ قالَ: خفضوا جاريةً، فقال: هذا طعام ما كنَّا نعرفُه ثمَّ قاءَه، وقال: يُقال أوَّلُ ما يُنْتِن مِنَ الإنسان بطنُه. ذَكره ابنُ التِّين. وقال أبو خالد الأحمرُ: سمعتُ الثَّوريَّ يقول: كان أقوام يُدْعَون إلى الحلال فلا يقبلونه، وإنَّهم لفي جَهْد، يقولون: نخاف مِنْه على أنفسنا.
          وروى إسماعيلُ بن عيَّاش: حدَّثنا حُمَيْدٌ الطَّويل، عن أنسٍ يرفعه: ((إِنَّ مَثَل هَذَا الدِّين كَمَثَلِ شَجَرَةٍ ثَابِتَةٍ: الإِيْمِانُ أَصْلُهَا، وَالزَّكَاةُ فَرْعُهَا، وَالصِّيَامُ عُرُوقُهَا، والتَّآخِي فِي اللهِ نَبَاتُهَا، وَحُسْنُ الخُلُقِ وَرَقُهَا، والكَفُّ عَن مَحَارِمِ اللهِ ثَمَرَتُهَا، فَكَمَا لَا تَكْمَلُ هَذِهِ الشَّجَرَةُ إِلَّا بِثَمَرَةٍ طَيِّبَةٍ لَا يَكْمَلُ الإِيمَانُ إِلَّا بِالكَفِّ عَن مَحَارِمِ اللهِ)).
          وعن عُتبة بن يزيدَ قال: قال عيسى _صلوات الله وسلامه عليه_: ابنَ آدمَ الضَّعيفَ اتقِّ الله حيث ما كنتَ، وكلْ كسرتك مِنْ حلال. وفي حديث ابن عبَّاس مرفوعًا: ((مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ)). وروى أَبَان بن أبي عيَّاش قال أنسٌ: قلتُ يا رسول الله اجعلني مستجابَ الدَّعوة، قال: ((يَا أَنَسُ أَطِبْ كَسْبَكَ يُسْتَجَابُ دَعْوَتُك، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَرْفَعُ إِلى فَمِهِ اللُّقْمَةَ مِنْ حَرِامٍ فَلا تُسْتَجَابُ لَهُ دَعْوةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا)) وفي «الصَّحيح»: ((وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟)). /