التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن طلب حقًا

          ░16▒ بَابُ: السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَ البَيْعِ، وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ.
          2076- ذَكر فيه حديث جابرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى).
          هذا الحديث مِنْ أفراده، وللتِّرمذيِّ: ((غَفَرَ اللهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ، كَانَ سَهْلًا إِذَا بَاعَ، سَهْلًا إِذَا اشْتَرَى، سَهْلًا إِذَا اقْتَضَى)) ثمَّ قال: حسنٌ غريبٌ صحيحٌ مِنْ هذا الوجه.
          قال الدَّاوُديُّ: يحتمل قوله: (رَجُلًا) أن يريد الخبر أو الدُّعاء، والظَّاهر أنَّه للدُّعاء.
          وقوله: (وَإِذَا اقْتَضَى) جاء في رواية: ((وَإِذَا قَضَى)) وفي أخرى: ((خُذْ حَقَّكَ فِي عَفَافٍ وَافِيًا، أَو غَيْرِ وَافٍ)) وَرُوِيَ هذا عن ابن عمر وعائشة مرفوعًا، وفي رواية: ((إِذَا اقتُضِيَ لَهُ)).
          وفيه الحضُّ على المسامحةِ _كما ترجم له_ وحسنِ المعاملة، واستعمالِ معالي الأخلاق ومكارمها، وتركِ المشاحَّة في البيع، وذلك سبب لوجود البركة؛ لأنَّه صلعم لا يحضُّ أمَّته إلَّا على ما فيه النَّفع لهم دينًا ودُنيا، فأمَّا فضلُه في الآخرة فقد دعا صلعم بالرَّحمة والغفران لفاعله، فمَنْ أحبَّ أن تناله هذه الدَّعوة فليقتدِ به ويعمل.
          وفي قوله: (وَإِذَا اقْتَضَى) حضٌّ على ترك التَّضييق على النَّاس عند طلب الحقوق وأخذ العفو مِنْهم، ويؤيِّده حديثُ ابن عمر وعائشة السَّالفُ، قال ابن المنذِرِ: وفيه الأمرُ بحُسن المطالَبة وإن قَبَضَ دون حقِّه، وقد جاء في إنظار المعسر مِنَ الفضل ما ستعلمه في الباب بعده.
          قال ابن حَبيب: تُستحبُّ السُّهولة في البيع والشِّراء، وليس هي ترك المكايَسة فيه، إنَّما هي ترك المضاجَرة ونحوِها، والرِّضا بالإحسان وبيسير الرِّبح، وحسن الطَّلب.
          وفي الحديث: ((صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ أَنْ يَسُوْمَ بِهَا عَنْ أَنْ يُسَامَ)) والبركة في أوَّل السَّوم وفي المسامَحة. ورغَّب في إقالة النَّادم، وكانوا يحبُّون المكايَسة في الشراء.