التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم}

          ░12▒ بَابُ: قَوْلِ اللهِ تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:267].
          2065- ذَكر فيه حديثَ عائشة رفعتْه: (إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا).
          2066- وحديثَ أبي هريرة مرفوعًا: (إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا، مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ).
          هذا بابٌ في أصل الدِّمْياطيِّ هنا، وهو مؤخَّر بعده في الشُّروح كلِّها وفي غيره.
          وقوله: في التَّبويب {أَنْفِقُوا} كذا هو في بعض الرِّوايات، وفي بعض رواية أبي الحسن: <كُلُوا>، والأوَّل التِّلاوة، ولعلَّ الثَّانيَ سبقُ قلمٍ، فالآية الأخرى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:57] والطَّيِّب: الحلال، وكذا كلُّ ما في القرآن مِنْ ذِكر الطَّيِّبات.
          وحديثُ عائشة سلف في باب: مَنْ أمر خادمَهُ بالصَّدقة، سواءً متنًا وإسنادًا، ولا تنافَي بينه وبين حديث أبي هريرة لأنَّ قوله: (لَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ) يريد أنَّ أجر الزَّوج وأجر مناولة الزَّوجة يجتمعان فيكون لكلٍّ النِّصفُ، فذلك النِّصف هو أجرُها كلُّه، والنِّصف الَّذي للزَّوج هو أجرُه كلُّه، وعلى هذا تتخرَّج رواية أبي الحسن: <فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ> أي نصفُ أجرها، قلت: والأوَّل لم يعيِّن أجرَها ولا مقداره، وفي الثَّاني: للزَّوج نصفُ أجره بكونه لم يأذن، فلو أذن استوفى الأجر كلَّه. وقال المنذِريُّ: هو على المجاز، أي أنَّهما سواءٌ في المثوبة، كلُّ واحد مِنْهما له أجرٌ كامل، وهما اثنان فكأنَّهما نصفان، وقيل: يحتمل أنَّ أجرهما مثلان، فأشبهَ الشَّيءَ المنقسِم بنصفين، وأنَّ نيَّة هؤلاء وإخراجَهم الصَّدقة ماثلت قدرَ ما خرج مِنْ مال الآخرِ بغير يده، أو يكون ذلك فضلًا مِنَ الله، إذ الأجور ليست بقياس ولا بحسب الأعمال، وذلك مِنْ فضل الله العميم.
          وفي الآية الأمر بالإنفاق والصَّدقة مِنْ حلال الكسب والتِّجارة، وفي الحديث صدقةُ المرأة مِنْ غير إذن زوجها، وإنما يُباح ما يُعلم أنَّ نفسه تطيب به ولا يشحُّ بمثله فيؤجر كلٌّ مِنْهما لتعاونه على الطَّاعة، وقد سلف بسطُه في الزَّكاة. وفي «مسند أبي داود الطَّيالسيِّ» و«سنن البَيْهَقيِّ» مِنْ حديث ابن عمر مَرفوعًا: ((إِنَّ عَلَيْهَا _فِي هذه الحالة_ الوِزْرَ وَلَهُ الأَجْرُ)) قال البَيْهَقيُّ: فإن كان هذا محفوظًا فيُحمل الأوَّل على إنفاقها ممَّا أعطاها الزَّوج مِنْ قُوْتها، وبذلك أفتى أبو هريرة.