التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب بيع الورق بالذهب نسيئة

          ░80▒ بَابُ: بَيْعِ الوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسِيئَةً.
          2180- 2181- ذَكر حديثَ أبي المِنْهالِ، قَالَ: (سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنِ الصَّرْفِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي، وَكِلاَهُمَا يَقُولُ: نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالوَرِقِ دَيْنًا).
          ░81▒ بَابُ: بَيْعِ الذَّهَبِ بِالوَرِقِ يَدًا بِيَدٍ.
          2182- ذَكر حديثَ أبي بَكْرةَ السَّالفَ قريبًا في باب: بيع الذَّهبِ بالذَّهب.
          وحديثَ أبي المِنْهال السَّالفَ في باب: التِّجارة في البرِّ، ولفظه: ((نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَرِقِ بِالذَّهَبِ دَيْنًا))، وأسلفنا هناك أنَّ مسلمًا أخرجه أيضًا.
          وأَبُو المِنْهالِ هو عبد الرَّحمن بن مُطْعِم البصريُّ كما سلف أيضًا هناك. وقد قام الإجماع على أنَّه لا تجوز النَّسيئة، وهي التَّأخير في بيع الذَّهب بالورِق ولا عكسه، كما لا يجوز في بيع كلٍّ مِنْهما بمثله، وهو الرِّبا المحرَّم في القرآن، وفي هذا الحديث حجَّة للشَّافعيِّ في قوله: مَنْ كان له على رجلٍ دراهمُ ولذلك الرَّجلِ دنانيرُ، فلا يجوز أن يقاضَ أحدهما مَا لَهُ بِما عَلَيه، وإن كان قد حلَّ أجلُهما جميعًا، لأنَّه يدخل في معنى النَّهي عن بيع الذَّهب بالوَرِق دَينًا، لأنَّه غائبٌ بغائب، وإذا لم يجزْ غائبٌ بناجزٍ، فأحرى ألَّا يجوزَ غائبٌ بغائبٍ. وأجاز ذلك مالكٌ إذا كانا قد حلَّا جميعًا، فإن كانا إلى أجلٍ لم يَجُزْ، لأنَّه يكون ذهبًا بفضَّة متأخِّرًا. وقال أبو حنيفة: يجوز في الحالِّ وغير الحالِّ، حجَّة مَنْ فصَّل أنَّه إذا حلَّ الدَّين واجتمع المتصارفان فإنَّ الذِّمم تَبرأ كالعين إذا لم يفترقا إلَّا وقد تفاضلا في صرفهما، والغائب لا يحلُّ بيعُه بناجزٍ ولا بغائب مثله، وحجَّتُه حديثُ ابن عمر: كنتُ أبيع الإبل بالبقيع بالدَّنانير وآخذ الدَّراهم وبالعكس، فسألتُ رسول الله صلعم عن ذلك فقال: ((لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِكُمَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ)) وحجَّة مَنْ جوَّزه مطلقًا أنَّه _◙_ لم يسألْه عن الدَّين أحالٌّ هو أو مؤجَّل؟ دلَّ ذلك على استواء الحُكم فيهما، ولو كان بينهما فرقٌ لوقفه عليه.
          وأمَّا تقاصُّ الدنانير مِنَ الدَّراهم وعكسُه مِنْ غير أن يكون على الآخَر فأجازه عمرُ بن الخطَّاب وابنُه، وَرُوِيَ عن عطاءٍ والحسن وطاوسٍ والقاسم، وبه قال مالكٌ والثَّوريُّ والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثور، وقال كثيرٌ مِنْهم: إذا كان بسعر يومه، ورخَّص فيه أبو حنيفةَ بسعر ذلك وبأغلى وبأرخصَ، وكَره ذلك ابنُ عبَّاس وأبو سَلَمَةَ وابنُ شُبْرُمةَ، وهو قول اللَّيث، وَرُوِيَ عن طاوسٍ قولٌ ثالثٌ أنَّه كَرهه في البيع، وأجازه في القَرض.
          قال ابن المنذِر: والقولُ الأوَّل أَولى لحديث ابن عمرَ. قلتُ: ولا يدخُل هذا في نهيه _◙_ عن بيع الذَّهب بالورِق دينًا، لأنَّ الَّذي يقتضي الدَّراهم مِنَ الدَّنانير لم يقصدْ إلى تأخيرٍ في الصَّرف ولا نواه ولا عمل عليه فهذا الفرق بينهما.