التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب بيع الزرع بالطعام كيلًا

          ░91▒ بَابُ: بَيْعِ الزَّرْعِ بِالطَّعَامِ كَيْلًا.
          2205- ذكر فيه حديث ابن عمر: (نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنِ المُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، أَوْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلٍ طَعَامًا، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ).
          هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا وقد سلف الكلام عليه، وقام الإجماع على أنَّه لا يجوز بيع الزَّرع قبل أن يُقطَع بالطَّعام، ولا بيعُ العِنب في كرْمه بالزَّبيب، ولا بيعُ التَّمر في رؤوس النَّخل بالتَّمر، لأنَّه مزابنة، وقد سلف النَّهي عنه، وذلك خطرٌ وغَررٌ، لأنَّه بيع مجهولٍ بمعلوم مِنْ جنسه.
          وأما بيعُ رَطْبِ ذلك بيابسِه إذا كان مقطوعًا وأمكن فيه المماثلةُ، فجمهور العلماء على المنع خلافًا لأبي حنيفة كما سلف، واحتجَّ له الطَّحاويُّ فقال: لمَّا أجمعوا أنَّه يجوز بيعُ الرُّطَب بالرُّطَب مِثلًا بمِثل، وإن كانت في أحدهما رطوبة ليست في الآخر، وكان ذلك ينقص إذا بقي نقصانًا مختلفًا، ولم ينظروا إلى ذلك فيبطلوا به البيع، بل نظروا إلى حاله في وقت وقوع البيع، فالنَّظر أن يكون التَّمر بالرُّطب كذلك. ولا يسلَّم الإجماع له، ثمَّ هو قياسٌ فاسد، فقد يُعفى عن اليسير لقلَّته، وقد جُوِّز في الشَّرع يسيرُ الغَرَرِ، لأنَّه لا يكاد يخلو مِنْه، ونقصانُ الرُّطَب بالتَّمر له مال وقيمة، / فافترقا لذلك.
          وحديث الباب حجَّة للجماعة، فإنَّ التَّمر هو الرُّطَب، وكأنَّه نهى عن بيع الرُّطَب بالتَّمر على النَّخل ومقطوعًا على عموم اللَّفظ، ويدلُّ على ذلك الحديثُ السَّالفُ: ((أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا إِذَنْ)) فنهى عنه فصار كأنَّه نهى عن الرُّطَب بالتَّمر، ولم يخفَ عنهم ذلك، وإنَّما سألهم على سبيل التَّقرير لهم، حتَّى إذا تقرر ذلك عندهم نهاهم عنه، فصار كأنَّه نهاهم وعلَّله فقال: لا يجوز بيعُ التَّمر بالرُّطَب، لأنَّه ينقص إذا يبس، فسواءٌ كان الرُّطَب في النَّخل أو في الأرض إذا بِيع بتمر مجهولٍ، فإنَّه يكون مزابَنة، يُقال للكوفيِّين: يلزمُكم التَّناقض في منعكم بيعَ الحنطةِ بالدَّقيق وبيعَها بالسَّويق، والمماثلة بينَهما أقربُ مِنَ المماثَلة بين التَّمر والرُّطَب، وأجاز مالكٌ واللَّيث الدَّقيقَ بالحنطةِ مِثلًا بمثل، وقولُ الشَّافعيِّ كقول الكوفيِّ.