التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم}

          ░26▒ بَابٌ: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ...} الآية [البقرة:276].
          2087- ذَكر حديثَ أبي هريرة: سمعت النَّبيَّ صلعم يقول: (الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ).
          معنى {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا}: يَنْقُصه شيئًا بعد شيء، مِنْ مُحاق الشَّهر لنقصان الهلال فيه، {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} يضاعف أجرَها وعدًا مِنْه، أو يُنْمي المال الَّذي أُخرجت مِنْه، {وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:276] أي: لا يحبُّ كلَّ مصرٍّ على كفر مقيمٍ عليه مستحلٍّ أكلَ الرِّبا أو إطعامَه.
          {أَثِيمٍ} متمادٍ في الإثم يريد فيما نهاه عنه مِنْ أكل الرِّبا والحرام وغير ذلك مِنْ معاصيه، لا يُزْجر عن ذلك ولا يَرْعوي عنه، ولا يتَّعظ بموعظة ربِّه، قال المهلَّب: سُئِلَ بعضُ العلماء عن معنى هذه الآية، وقيل له: نحن نرى صاحب الرِّبا يربو مالُه، وصاحبَ الصَّدقة ربَّما كان مُقِلًّا! قال: معنى يربي الله الصَّدقات أي: الصَّدقة يجدها صاحبها مثل أُحد يوم القيامة، فكذلك صاحب الرِّبا يجد عمله ممحوقًا، إن تصدَّق مِنْه أو وصل رحمه لم يكتب له بذلك حسنة، وكان عليه إثم الرِّبا بحاله.
          وقالت طائفة: إنَّ الرِّبا يُمْحق في الدُّنيا والآخرة على عموم اللَّفظ، احتجُّوا لذلك بحديث الباب، فلمَّا كان نَفاقُها بالحَلِف الكاذبة في الدُّنيا، كان محقُ البركة فيها في الدُّنيا. وذَكر عبد الرَّزَّاق عن مَعْمَر قال: سمعنا أنَّه لا يأتي على صاحب الرِّبا أربعون سنة حتَّى يمحق. وروى الطَّبريُّ في «تفسيره» مِنْ حديث ابن مسعود مرفوعًا: ((الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِلَى قُلٍّ)) وقيل: إن تصدَّق مِنْه فلا يُقبل فإنَّ الله طيِّب لا يقبل إلَّا طيِّبًا، وإنْ صرف في سبيل الخير لم ينفعه، وربَّما محقه في الدُّنيا وتبقى تبعاتُه، وقيل: يهلك وتذهب بركته، ومحقَه الله فامتحق. وحديث الباب أخرجه مسلم أيضًا وذكره كالتَّفسير للآية، فيُقال: كيف يجتمع المحاق والزيادة؟ فبيَّن الحديث أنَّ اليمين مزيدة في الثَّمن، وممحقة للبركة مِنْه، والبركة أمر زائد على العدد، فتأويل قوله: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا} أي: يمحق البركة مِنْه _كما سلف_ وإن كان عددُه باقيًا على ما كان. وفي أفراد مسلم مِنْ حديث أبي قَتادة مرفوعًا: ((إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ، فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ، ثمَّ يَمْحَقُ)).
          و(مَمْحقَةٌ) بفتح الميم وكسر الحاء ويصحُّ فتحُها، قال صاحب «المطالع»: كذا قيَّدَ القاضي أبو الفضل، والذي أعرف بفتحها. و(مَنفقَةٌ) بفتح الميم كما قيَّد ابن التِّين لأنَّها مَفْعَلةٌ مِنْ نَفَقَ ومَحَقَ، وعن ابن فارس: ويُقال: المُمْحِقَةُ، وهو رديء، وضبطهما النَّوويُّ بفتح أوَّلهما وثالثهما وسكون ثانيهما. ويُقال: نَفَقَ البيعُ يَنْفُقُ نَفاقًا: كَثُرَ الرَّاغب. و(الحَلِفُ): اليمين بإسكان اللَّام وكسرها، ذكره ابن فارس، وهي اليمين الكاذبة.