التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما قيل في الصواغ

          ░28▒ بَابُ: مَا قِيلَ فِي الصَّوَّاغِ. (وَقَالَ طَاوُسٌ، عَن ابن عبَّاس: قَالَ النَّبيُّ صلعم: لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا. وَقَالَ العَبَّاسُ: إِلَّا الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ: إِلَّا الإِذْخِرَ).
          2089- ثمَّ ذكر فيه حديث عليٍّ: (كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ المَغْنَمِ...) وساق الحديث.
          وفيه: (وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي، فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ).
          2090- وحديثَ عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ...) الحديثَ إلى قوله: (إِلَّا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِصَاغَتِنَا وَلِسُقُفِ بُيُوتِنَا).
          الشَّرح: التَّعليقان الأوَّلان مسنَدان كما سلف، وحديث عليٍّ ساقَهُ أيضًا مطوَّلًا بقصَّة حمزة وإنشادِها:
أَلا يَا حَمْزُ للشُّرُفِ النِّوَاء
          والشَّارف: المسِنُّ مِنَ النُّوق، وفيه في مسلم: بأنَّه المسنُّ الكبير. والمعروف أنَّه النُّوق خاصًّة لا مِنَ الذُّكور، وبه جزم ابن التِّين حيث قال: إنَّها المسنَّة مِنَ الإبل، وحكى الحربيُّ عن الأصمعيِّ أنَّه يقال: شَارِفٌ للذَّكر والأنثى، ويُجمع على شُرُفٍ، ومِنْه البيت المذكور، ولم يأت فُعُلٌ جمعَ فاعلٍ إلَّا قليلًا، كما قاله عِياض. وفي «المخصَّص» عن الأصمعيِّ: ناقة شَارفٌ وشَروفٌ، قال سِيبَوَيْهِ: جمعُ الشَّارف: شُرُف، والقول في الشَّارف كالقول في البازل _يعني خروج نابها_ أبو حاتم: شارفة، صاحب «العين»: والجمع: شوارفُ، ولا يُقال للبعير شارفٌ، وقال في «المحكم»: الشَّارف مِنَ الإبل المُسِنُّ والمُسِنَّةُ، والجمع شُرَّف وشُرُف، وفي «الجامع»: هي النَّاقة المسنَّة، وتجمع شرفًا وشوارف.
          والنِّواء _ذكره ابن ولَّاد في الممدود المكسورِ أوَّلُه_: السِّمان مِنَ الإبل. وفي «التَّهذيب»: النَّوى: الشَّحم واللَّحم أيضًا. نوت الناقة: سَمِنَتْ، فهي ناوية والشِّعر لعبد الله بن السَّائب جدِّ أبي السَّائب المخزوميِّ، فيما ذكره المَرْزُبَانيُّ وأنَّ القَينةَ تمثَّلت به.
          وحديثُ عِكْرِمة عن ابن عبَّاس سلف في الحجِّ، وشيخ البخاريِّ فيه إسحاقُ هو ابن شاهينٍ الواسِطيُّ قاله ابن ماكُولا وابن البَيِّع، وصرَّح به الإسماعيليُّ وأبو نُعَيم.
          وقوله: (وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ: لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا) سلف مسندًا قبلُ.
          إذا تقرَّر ذلك ففيما ذكر أنَّ الصياغة صناعةٌ جائزٌ التكسُّب مِنْها، والصَّوَّاغ إذا كان عَدلًا لا تضرُّه صناعتُه لأنه _◙_ قد أجازه. وفيه جواز بيع الإذْخِر وسائر المباحات والاكتساب مِنْها للرَّفيع والوضيع، وفيه الاستعانة بأهل الصناعة فيما يَنْفُقُ عندهم، والاستعانة على الولائم والتكسُّب لها مِنْ طيِّب الكسب، وأنَّ طعام الوليمة على الناكح، ولم يختلف أهل السِّيَر كما قاله ابن بَطَّال في غير هذا الباب أنَّ الخُمس لم يكن يوم بدر. وذكر إسماعيل القاضي أنَّه كان في غزوة بني النَّضير حين حكَّم سعدًا. قال: وَأُجِيْبَ أنَّ بعضهم قال: تُرك أمرُ الخُمس بعد ذلك، وَقِيْلَ: إنَّما كان الخُمس يقينًا في غنائم حُنين، وهي آخر غنيمة حضرها سيِّدنا رسول الله صلعم، قال: وإذا كان كذلك فيحتاج قول عليٍّ إلى تأويل.
          قلت: ذكر ابن إسحاق أنَّ عبد الله بن جحش لمَّا بعثه _◙_ في السَّنة الثَّانية إلى نخلةَ في رجب، وقيل: عمرو بن الحَضْرَميِّ وغيرُه واستاقوا الغنيمة، وهي أوَّل غنيمة، قسم ابن جحش الغنيمةَ وعزل لرسول الله صلعم الخُمس وذلك قبل أن يُفرض الخُمس فأخَّر النَّبيُّ صلعم أمر الخُمس والأسيرين، ثمَّ ذكر خروج رسول الله صلعم إلى بدر في رمضان فقسم غنائمها مع الغنيمة الأولى وعَزل الخُمس فيكون قول عليٍّ: ((شَارِفي مِنْ نَصِيبِي مِنَ المَغْنَمِ)) يريد يوم بدرٍ. ويكون قولُه: ((كَانَ / رَسُولُ اللهِ صلعم أَعْطَانِي شَارِفًا قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الخُمُسِ)) قبله مِنْ غنيمة ابن جحش.
          وقال الدَّاوُديُّ: فيه دليل أنَّ آية الخُمس نزلت يوم بدر، لأنَّه لم يكن قبل بنائه بفاطمةَ مغنمٌ غيرُه، وذلك كلُّه سنَّة اثنتين مِنَ الهجرة في رمضان، وكان بناؤه بفاطمةَ بعد ذلك. قال: وذكر أبو محمَّد في «جامع مختصره» أنَّه تزوَّجها في السَّنة الأولى. قال: ويُقال: في الثَّانية على رأس اثنين وعشرين شهرًا، وهذا كان بعد بدر، لأنَّ بدرًا كانت على سنةٍ ونصف مِنْ مَقْدَمِه المدينة، وهذا يعضد ما قاله الدَّاوُديُّ. وذكر أبو عمر عن عبد الله بن محمَّد بن سليمان الهاشميِّ: نكحها بعد وقعة أُحد. وقيل: تزوجها بعد بنائه بعائشة بسبعة أشهر ونصف. وقال ابن الجوزيِّ: بنى بها في ذي الحجَّة وقيل: في رجب. وقيل: في صفر مِنَ السَّنة الثَّانية. وفي «كتاب ابن شَبَّة» من رواية أبي بكر بن عيَّاش أنَّه _◙_ غرَّم حمزة النَّاقتين.
          وقد قام الإجماع على أنَّ ما أتلفه السَّكران مِنَ الأموال يلزمُه ضمانه كالمجنون، والسَّنام المقطوع حرام _والحالة هذه_ بالإجماع، فإن سبقت التَّذكية فلا شكَّ في حلِّه، وخالف عِكرمة وإسحاقُ وداود فقالوا: لا تحلُّ ذبيحة الغاصب ولا بيعُه. وفي الحديث الاستعانة باليهود ومعاملتُهم وإن كان مالهم يخالطُه الرِّبا.
          و(قَيْنقَاعَ): نونه مثلَّثة كما سلف أوَّل الباب أوَّل البيوع [خ¦2048].
          وقوله: (فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْنِيَ بِفَاطِمَةَ) البناء: الدُّخول، والأصل فيه أنَّهم كانوا إذا أراد أحدُهم الدُّخول على أهله رفع قُبَّة أو بناء يدخلان فيه.
          وقوله: (فِي وَلِيمَةِ عُرُسِي) الوليمة: الطَّعام الَّذي يُصنع عند العرس، والعرس _بضم الرَّاء وإسكانها مهملة_: الإِملاك والبناء وقيل: هو طعامُه خاصَّة، أنثى وقد يذكَّر ويصغَّر بغير هاء، وهو نادر لأنَّ حقَّه الهاء إذ هو مؤنَّث على ثلاثة أحرف. والجمع: أعراس وعروسات. والعَروس: نعت الرَّجل والمرأة، رجلٌ عَروسٌ في رجالٍ أعراسٍ، وامرأةٌ عَروسٌ في نسوةٍ عرائسَ، ذكره ابنُ سِيدَهْ. وقال الأزهريُّ: العُرْس: طعام الوليمة وهو مِنْ أعرسَ الرَّجلُ بأهله إذا بنى عليها ودخل بها، وتُسمَّى الوليمة عُرسًا والعرب تؤنِّثه. وفي «الموعَب»: العُرس: هو طعام الزِّفاف. والعُرس: الطَّعام الَّذي يمدُّ للعروس. وقال ابن دينارٍ: سألت أبا عثمان عن اشتقاق العَروس، فقال: قالوه تفاؤلًا مِنْ قولهم: عَرِسَ الصَّبيُّ بأمِّه إذا أَلِفَها. ووقع في كتاب الشُّرب عند البخاري: ((وَمَعِي صَائِغٌ)). قال ابن التِّين: عند أبي الحسن قال عليٌّ: وَمَعِي طَالِعٌ، أي يدلُّه على الطَّريق.
          ووقع في بعض رواياته: ((فَأَفْظَعَنِي)) قال ابن فارس: أفظَعَ الأمرُ وفَظُعَ اشتدَّ، وهو مُفْظِع وفَظيع.
          وفيه مِنَ الفقه: تضمين الجنايات بين ذوي الأرحام، والعادة فيها أن تهدر مِنْ أجل القرابة. وقوله: (هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي) قيل: أراد أنَّ أباه جدُّهم والأب كالسيِّد. وقيل: كان ثمِلًا. فقال ما ليس جيَّدًا.
          وفيه: وذلك قبل تحريم الخمر، احتجَّ به مَنْ لا يرى بوقوع طلاق السَّكران كما قال ابن الجوزيِّ، ووهَّى النَّوويُّ مقالةَ مَنْ قال: إنَّ السُّكْر لم يزل محرَّمًا فقال: هو قولُ مَنْ لا تحصل له أنَّ السُّكر لم يزل محرَّمًا فباطل لا أصل له ولا يُعرف، وفيه ما كانوا عليه مِنَ القلَّة، وفيه طلبُهم الكَفافَ.