التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يكره من الحلف في البيع

          ░27▒ بَابُ: مَا يُكْرَهُ مِنَ الحَلِفِ فِي البَيْعِ.
          2088- ذَكر فيه حديثَ عبد الله بن أبي أَوفى: (أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً وَهُوَ فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران:77]).
          حديثُ الباب مِنْ أفراده، وعنده في موضعٍ آخر عن ابن مسعود مرفوعًا في حديث الأشعث، وسيأتي أنَّها نزلت فيمَنْ حلف على يمين يقتطع بها مالَ امرئٍ مسلم.
          ومعنى {بِعَهْدِ اللهِ}: أمرُه ونهيُه، أو ما جعل في العقل مِنَ الزَّجر عن الباطل والانقياد إلى الحقِّ {لَا خَلَاقَ} [آل عمران:77] مِنَ الخَلْق، وهو النَّفس، أو مِنَ الخُلُق أي: لا نصيب لهم ممَّا يوجبه الخلق الكريم.
          {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ} بما يسرُّهم، بل بما يسوءُهم عند الحساب بقوله: {عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:26]، أو لا يكلِّمهم أصلًا، بل يَكِلُ حِسَابهم إلى الملائكة، ويسمع كلامَه أولياؤه، أو يغضب عليهم كما تقول: فلان لا يكلِّم فلانًا {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ}: لا يبرُّهم ولا يمنُّ عليهم {وَلَا يُزَكِّيهِمْ} أي: لا يقضي بزكاتهم، نزلت / فيمَنْ يحلف يمينًا فاجرة لينفق بها بيعَ سلعته، أو في الأشعث نازع خصمًا في أرض، فقام ليحلفَ، فنزلت، فنَكَلَ الأشعثُ واعترف بالحقِّ، أو في أربعة مِنْ أحبار اليهود كتبوا كتابًا وحلفوا أنَّه مِن عند الله فيما ادَّعوه أنَّه ليس عليهم في الأمِّيِّين سبيل.
          {أَلِيمٌ}: مُوجع حيث وقع، وهذا الوعيد الشَّديد في هذه اليمين الغَموس لما جمعت مِنَ المعاني الفاسدة، وكذا كذبُه في اليمين بالله تعالى، وهو أصلُ ما يحلف فيه، وغررِ المسلمين، واستحلالِ مال المشتري بالباطل الَّذي لا يدوم في الدنيا عوضًا عمَّا كان يلزمه مِنْ تعظيم حق الله تعالى، والوفاء بعهده والوقوف عند أمره ونهيه، فخاب مَتْجَرُه وخسرت صفقتُه.
          وفي «تفسير الطَّبريِّ» أنَّها نزلت في رافع، وكِنانةَ بنِ أبي الحُقَيق، وابن أبي الأشرفِ، وحُيَيِّ بن أَخْطَبَ، وفي «تفسير أبي القاسم الجوزيِّ» عن ابن عبَّاس: نزلت في ناس مِن علماء اليهود أصابتهم فاقةٌ، فجاؤوا إلى كعب بن الأشرف، فسألهم كعب عن رسول الله صلعم فقالوا: نعم، هو رسول الله صلعم. قال كعب: لقد حُرِمتم خيرًا كثيرًا، فنزلت. وقيل: نزلت في الذين حرَّفوا التَّوراة، حكاه الزَّمَخْشَريُّ، والوجه أنَّ نزولها في أهل الكتاب، وفي «المستدرَك» صحيحًا عن قيس بن أبي غَرَزَةَ مرفوعًا: ((يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّهُ يَشْهَدُ بَيْعَكُمُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ فَشُوبُوهُ بِصَدَقَةٍ)) وفيه أيضًا مصحَّح الإسناد عن إسماعيلَ بن عُبَيد بن رِفاعةَ بن رافع الزُّرَقيِّ عن أبيه عن جدِّه مرفوعًا: ((يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنِ اتَّقَى وَبَرَّ وَصَدَقَ))، وفيه أيضًا مثلُه عن عبد الرَّحمن بن شِبْلٍ مرفوعًا: ((إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الْفُجَّارُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: أَلَيْسَ اللهُ قَدْ أَحَلَّ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ فَيَأْثَمُونَ، وَيُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ))، قال الدَّاوُديُّ: هذا جزاؤه إن لم يَتُبْ. يريد: أنه يتحلَّل صاحبَه إلَّا أن يرضيَ اللهُ خصمَه بما شاء ويتجاوز عنه، أو يأخذ له مِنْ حسناته، أو يلقي عليه مِنْ سيئاته، وأمَّا الحَلِف فهو بينه وبين الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذَّبه، قال بعض العلماء: الذُّنوب كلُّها الباري _تعالى_ يقتصُّ للبعض مِنَ البعض بأخذ حسنات الظَّالم أو بإلقاء السَّيئة عليه، وقيل: نزلت الآية في رجلين اختصما في أرض، فجعل رسول الله صلعم اليمين على المدَّعى عليه فقال المدَّعي: إذنْ يحلف. فنزلت.