التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب النجار

          ░32▒ بَابُ: النَّجَّارِ.
          2094- ذَكر فيه حديث أبي حازم قال: (أَتَى رِجَالٌ سهلَ بنِ سَعْد يَسْأَلُونَهُ عَنِ المِنْبَرِ، فَقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِلَى فُلاَنَةَ _امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ_: مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ، يَعْمَلُ أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ...) الحديث.
          2095- وحديثَ جابر (أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِي غُلاَمًا نَجَّارًا...) الحديث.
          وقد سلفا في الجمعة [خ¦917] [خ¦918]، وظاهرهما التَّعارض فإنَّ في الأوَّل: أنَّه _◙_ بعث إليها، وفي الثَّاني: أنَّها قالت ذلك، فيجوز أن يكونَ أرسلَ إليها بذلك ثمَّ أرسلت فقالت، أو تكونَ ابتدأته، ثمَّ بعث إليها أنْ مُريه، فحفظ كلُّ واحد بعضَ القصَّة.
          وكان اتخاذُه سنة سبعٍ، وقيل: سنة ثمان. حكاه ابن التِّين عن الشَّيخ أبي محمَّد. وكان من طَرْفاء الغابةِ، وصانعُه غلامٌ لسعد بن عُبادة، قاله مالك، أو غلام العبَّاس، أو غلام امرأةٍ مِنَ الأنصار أو غير ذلك كما سلف في موضعه. قال ابن فارس: ناقة طَرِفَة: ترعى أطراف المراعي ولا تختلط بالنُّوق، والطَّرْفاء: شجرة معروفة.
          وقوله: (فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا) كذا هنا. وفي لفظ: ((حَنَّتْ حَنِينَ النَّاقَةِ الَّتي فَارَقَتْ وَلدَهَا)) وفي آخر: ((سُمِعَ لِلْجِذْعِ مِثْلُ أَصْوَاتِ العِشَارِ))، وقد أسلفنا أنَّه نزل فضمَّه، وقال: ((لَوْ لَمْ أَضُمَّه لَحَنَّ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ)).
          وفيه ردٌّ على القَدَريَّة لأنَّ الصِّياح ضربٌ مِنَ الكلام، وهم لا يجوِّزون الكلام إلَّا مِنْ حيٍّ ذي فمٍ ولسان، كأنَّهم لم يسمعوا قوله: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} الآية [فصلت:21].
          و(تَئِنُّ) _بكسر الهمزة يُقال أنَّ يَئِنُّ أَنينًا وأُنانًا_ بكت على ما كانت تسمع مِنَ الذِّكر.
          وقوله: (حَتَّى اسْتَقَرَّتْ) أي سكنت، مِنْ قرَّ يقَرُّ، إذا سكن. وفيه معنًى آخرُ أي قَلَّ صوتُها شيئًا فشيئًا حتَّى سكنت.
          وفيه أنَّ الأشياء الَّتي لا روح لها تعقل، إلَّا أَنَّها لا تتكلَّم حتَّى يؤذن لها. وإنَّما كان _عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام_ يقبل هدايا أصحابه ويأكل معهم ويستوهب مِنْهم لأنَّه أبٌ لهم رحيمٌ بهم رفيقٌ. وأطيبُ ما أكل الرَّجلُ مِنْ كَسْبِ يده وولدُه مِنْ كسبه. ومِنْه قول لوط _صلوات الله وسلامه عليه_: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} [هود:78] أي: أيامى نساء أمَّتي، قاله مجاهد، وهو حسن، أو كان في شرعه تزويجُ الكافرِ، أو هؤلاء بناتي إن أسلمتم. وقال عِكرمة: أراد انصرافهم ولم يَعرض عليهم شيئًا لا بناته ولا بنات أمَّته.
          وقوله: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور:61]، ولم يذكر بيوت الأبناء لأنَّها داخلة في {بُيُوتِكُم}.
          وفيه المطالبةُ بالوعد والاستنجازُ فيه، وتكليفُ سيِّدِ العبدِ ما يفعلُه العبدُ، ولا يسأل عن طيب نفسٍ العامل بما علم، وكلام ما لا يعرف له كلام: الجمادات وشبهها كما سلف، وكانت هذه آيةَ معجزة أراد الله تعالى أن يريَها عباده ليزدادوا إيمانًا، وما جرى على مجرى الإعجاز فهو خرق للعادات. قال ابن بَطَّال: وأمَّا نحن بيننا فلا يجوز كلام الجمادات إلينا. قلت: لا امتناع في ذلك.