التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا

          ░19▒ بَابُ: إِذَا بَيَّنَ البَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا وَنَصَحَا.
          (وَيُذْكَرُ عَنِ العَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: كَتَبَ لِي النَّبيُّ صلعم: هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صلعممِنَ العَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، بَيْعَ المُسْلِمِ المُسْلِمَ، لاَ دَاءَ وَلاَ خِبْثَةَ وَلاَ غَائِلَةَ). (وَقَالَ قَتَادَةُ: الغَائِلَةُ: الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ والإِبَاقُ. وَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ: إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ يُسَمِّي آرِيَّ خُرَاسَانَ، وَسِجِسْتَانَ، فَيَقُولُ: جَاءَ أَمْسِ مِنْ خُرَاسَانَ، وَجَاءَ اليَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ، فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لاَ يَحِلُّ لِامْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلَّا أَخْبَرَهُ).
          2079- ثمَّ ذَكر حديثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ، رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا _أَوْ قَالَ حتَّى يَتَفَرَّقَا_ فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا).
          الشَّرح: حديثُ العدَّاءِ بن خالدِ بن هَوْذةَ العامريِّ _وقد أسلمَ هو وأبوه وعمُّه_ رواه التِّرمِذيُّ وابن ماجَهْ عن ابن بشَّار عن عبَّادِ بن لَيثٍ صاحبِ الكَرابيسيِّ عن عبد المجيد بن وهبٍ قال: قال لي العدَّاء بن خالد: ألا أريك كتابًا كتبه لي النَّبيُّ صلعم؟ قلت: بلى. فأخرج لي كتابًا: ((هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، لَا دَاءَ، وَلَا غَائِلَةَ، وَلَا خِبْثَةَ، بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ)). ثمَّ قال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفه إلَّا مِنْ حديث عبَّاد بن ليث، وقال الدَّارَقُطْنيُّ: لم يَرْوِهِ غيرُه. قلت: لا، فقد أخرجه أبو عمر مِنْ حديث عثمانَ الشَّحَّام عن أبي رَجاءٍ العُطَارِديِّ قال: قال لي العدَّاء: أَلا أقرئك كتابًا كتبه لي رسول الله صلعم؟ فإذا فيه مكتوب: ((╖، هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً _شَكَّ عُثْمَانُ_ بيَاعَةَ الْمُسْلِمِ _أَوْ بَيْعَ الْمُسْلِمِ_ الْمُسْلِمَ، لا دَاءَ وَلا غَائِلَةَ وَلا خِبْثَةَ)).
          وهذا أشبهُ مِنْ لفظ البخاريِّ: (اشْتَرَى مُحَمَّدٌ) لأنَّ العُهْدة إنما تُكتب للمشتري لا للبائع. وكذلك رواه جماعة كرواية التِّرمِذيِّ، وهو الصَّحيح، وادَّعى ابن التِّين إرسالَ الحديث فقال: هذا الحديث مرسل. وهو عجيب، وكأنَّه أراد أنَّه ذكره معلَّقًا بغير إسناد، وقد أسندناه واتَّصل ولله الحمد.
          وقوله: (بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ) أي لا خديعة فيه لأنَّه شأن المسلم.
          والدَّاءُ: العيبُ كلُّه. قال ابن قُتيبة: أي لا داء لك في العبد مِنَ الأدواء الَّتي يُرَدُّ بها كالجنونِ والجُذَام والبَرَص والسِّلِّ والأوجاع المتفاوتة.
          وقوله: (وَلاَ غَائِلَةَ) هو مِنْ قولهم: اغتالني فلانٌ إذا احتال عليك بحيلة يُتلِف بها بعضَ مالِكَ، يُقال: غاليتُ فلانًا غولًا إذا أتلفتَه، والمعنى: لا حيلةَ عليك في هذا البيع يُغتال بها مالُكَ. وقد نقل البخاريُّ قول قَتَادة في الغائلة كما سلف، وقال الخطَّابيُّ: / الغِيلة: ما يَغتال حقَّك مِنْ حيلة أو تدليس بعيبٍ، وهو معنى قول قَتادة، أي: لا يخفي شيئًا مِنْ ذلك وليبيِّنه. وذكر الأزهريُّ وغيره أيضًا أنَّ الغائلة هنا معناها: لا حيلة على المشتري في هذا البيع يُغال بها ماله.
          ولمَّا سأل الأصمعي سعيد بن أبي عَروبةَ عن الغائلة أجاب كجواب قَتادة سَواءً، ولمَّا سأله عن الخِبْثَة قال: بيع عُهْدة المسلمين. وقال الخطَّابيُّ: (خَبْثَةَ) على وزن خَيْرَة، قيل: أراد بها الحرام كما عبَّر عن الحلال بالطَّيِّب. قال تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] والخبْثَة: نوع مِنْ أنواع الخبيث أراد أنَّه عبدٌ رقيقٌ لا أنَّه مِنْ قوم لا يحلُّ سبيُهم، وقال ابن بَطَّال: الخِبْثة: يريد الأخلاقَ الخبيثة كالإباق والسَّرقة، والعرب أيضًا يدْعون الزِّنا خَبَثًا وخِبْثَةً. وقال صاحب «العين»: الخبثة: الزَّنية. قال ابنُ التِّين: وهو مضبوط في أكثر الكتب بضمِّ الخاء، وكذا سمعناه، وضُبط في بعضها بالكسر أيضًا، والخِبثة أن يكون غيرَ طيِّب، لأنَّه مِنْ قومٍ لا يحلُّ سبيُهم لعهدٍ تقدَّم لهم أو خزية في الأصل وخبثٍ لهم، وقال الدَّاوُديُّ: الخِبْثة أن يخفي عنه شيئًا.
          وفي حديث العدَّاء هذا ثمان فوائدَ أبداها ابنُ العربيِّ:
          الأولى: البداءةُ باسم النَّاقص قبل الكامل في الشُّروط، والأدنى قبل الأعلى بمعنى: هو الَّذي اشترى، فلمَّا كان هو الَّذي طلب أخبر عن الحقيقة كما وقعت، وكتب حتَّى يوافق المكتوب ويذكر على وجهه في المثول، قلت: روايةُ البخاريِّ السَّالفة عكسُ هذا، وهو تقديمُ الأعلى على الأدنى.
          ثانيها: في كَتْبه صلعم ذلك له وهو ممَّنْ يؤمَن عهدُه ولا يجوز عليه أبدًا نقضُه لتعليم الأمَّة لأنَّه إذا كان هو يفعله فكيف غيرُه؟ قلتُ: هذا لا يتأتَّى على رواية البخاريِّ.
          ثالثها: أنَّه على الاستحباب، لأنَّه باع وابتاع مِنَ اليهود مِنْ غير إشهاد ولو كان أمرًا مفروضًا أقام به قبل الخلق. قلتُ: ذهبَ جماعة إلى اشتراطه، ولأنَّ الآية محكَمة وابتياعه مِنَ اليهوديِّ كان برهنٍ، وقد قال تعالى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283].
          رابعها: يكتب الرَّجل اسمَه واسم أبيه وجدِّه حتَّى ينتهيَ إلى جدٍّ يقعُ به التَّعريفُ ويرتفعُ الاشتراك الموجِب للإشكال عند الاحتياج إليه، وما ذكره إنَّما يتأتى إذا كان الرَّجل غيرَ معروف، أمَّا إذا كان معروفًا فلا يحتاج إلى ذكر أبيه، فإن لم يكن معروفًا وكان أبوه معروفًا لم يحتجْ إلى ذكر الجدِّ، كما جاء في البخاريِّ مِنْ غير ذكر جدِّ العدَّاء.
          خامسها: لا يحتاج إلى ذكر النَّسب إلَّا إذا أفادت تعريفًا أو دفع إشكال.
          سادسها: قوله: (هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم اشْتَرَى مِنْهُ) كرَّر لفظ الشِّرى وقد كان الأوَّلُ كافيًا، ولكنَّه لمَّا كانت الإشارة بهذا إلى المكتوب، ذكر الاشتراء في القول المقول.
          سابعها: قوله: (عَبْد) ولم يصفْه، ولا ذَكَر الثَّمنَ ولا قَبْضَه، ولا قَبْضَ المشتري، واقتصر على قولِه: (لَا دَاءَ) وهو ما كان في الجسد والخِلقة، (وَلاَ خِبْثَةَ) وهو ما كان في الخُلق، (وَلاَ غَائِلَةَ) وهو سكوتُ البائعِ على ما يَعلم مِنْ مكروه البيع، وهو الَّذي قَصد الشَّارعُ إلى كَتْبه ليبيِّن كيف يجب أن يكون على المسلم في بيعه، فأمَّا تلك الزِّيادات فإنَّما أحدثَها الشُّروطيُّون لما حدث مِنَ الخيانة في العالم.
          ثامنها: قوله: (بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ) ليبيِّن أنَّ الشِّراء والبيع واحد، قال: وقد فرَّق بينهما أبو حنيفة وجعل لكلِّ واحدٍ حكمًا. وقال غيره: فيه تولِّي الرَّجلِ البيعَ بنفسه، وكذا في حديث اليهوديِّ، وذكر بعضُهم لئلَّا يسامَح ذو المنزلة فيكونَ نقصًا مِنْ أجره، وجاز ذلك مِنْ رسول الله صلعم لعصمتِهِ لنفسه.
          وقوله _أعني البخاريَّ_: (وَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ: إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ يُسَمِّي آرِيَّ خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ، فَيَقُولُ: جَاءَ أَمْسِ مِنْ خُرَاسَانَ، وجَاءَ اليَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ، فَكَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً). أي: كان بعضُ النَّخَّاسين يُسمِّي آريَّ يريد: يسُمِّي موضعَ الدَّابَّة في داره ومَرْبِطَها خُرَاسانَ وسِجِسْتانَ، يريد بذلك الخديعةَ والغَرَرَ بالمشتري مِنْه، وهذا الأثرُ رواه أبو بكرِ بن أبي شَيْبةَ عن هُشَيمٍ عن مُغيرةَ، عنه بلفظ: ((قيل له: إنَّ ناسًا مِنَ النَّخَّاسين وأصحاب الدَّوابِّ يُسمِّي أحدُهم إِصْطَبْلَ دوابِّه خُراسانَ وسِجِسْتانَ، ثمَّ يأتي السُّوقَ، فيقول: جاءت مِنْ ذلك، فكره ذلك إبراهيم))، ورواه دَعْلَجٌ عن محمَّد بن عليِّ بن زيد، حدَّثنا سعيدُ بن قيس حدَّثنا هُشَيْم ولفظه: إنَّ بعض النَّخَّاسين يسمِّي آريَّه خُراسَانَ وسِجِسْتانَ، إلى آخره.
          واختَلف أهلُ اللُّغة في تفسير الآريِّ كما قال ابن بَطَّال، وضبطَها خطأً بضمِّ الهمزة، فقال ابن الأنباريِّ: هو عند العرب الآخِيَّةُ الَّتي تُحبس بها الدَّابَّة وتلزم بها موضعًا واحدًا، وهو مأخوذ مِنْ قولهم: قد تأرَّى الرَّجل بالمكان إذا أقام به. قال الأعشى:
لا يتأرَّى لما في القِدْرِ يَرْقُبُهُ
          والعامَّة تخطئ في الآريِّ فتظنُّ أنه المِعْلَف، هذا آخرُ كلام ابن الأنباريِّ، وجعله أيضًا ابن السِّكِّيتِ مِنْ لَحْنِ العامَّة، وقال صاحب «العين»: الآريُّ: المِعْلَفُ، وأَرَتِ الدَّابَّة إلىِ مِعْلَفِها تَأْري إذا أَلِفَتْه، وقال ابنُ التِّين: ضُبِطَ في بعض الكتب بفتح الهمزة وسكون الرَّاء، وفي بعضها بضمِّ الهمزة وفتح الرَّاء، وفي رواية أخرى: قرى خُراسانَ وسِجِسْتانَ، وَضُبِطَ في بعض الكتب بالمدِّ وكسر الرَّاء وتشديد الياء، قال ابن فارس: آريُّ الدَّابَّة: المكان الَّذي تتأرَّى فيه أي تتمكَّن به، وتقديره آري. وكذا قال أهل اللُّغة: إنها الأَخِيَّة الَّتي تُعمل في الأرض للدَّابَّة، وقال صاحب «المطالع»: آرى كذا قيَّده جلُّ الرُّواة، ووقع للمَرْوَزيِّ أَرَى بفتح الهمزة والرَّاء، على مثالِ دعا، وليس بشيء، ووقع لأبي ذرٍّ بضمِّ الهمزة، وهو أيضًا تصحيف، وهو في التَّقدير فاعُول، وهو مَرْبَط الدَّابَّة، ويُقال: مِعْلَفُها، قاله الخليل.
          وقال الأصمعيُّ: هو الأَخِيَّة في الأرضِ، وأصله مِنَ الحبس والإقامة، وعند التَّاريخيِّ عن الشَّعْبيِّ وغيره: أمرَ سعدُ بن أبي وقَّاصٍ أبا الهَيَّاجِ الأَسَديَّ والسَّائبَ بنَ الأَقْرَع أن يقسما للنَّاس _يعني الكوفة_ فاختطُّوا مِنْ رواء السِّهام، فكان المسلمون يعقِلون إبلَهم ودوابَّهم في ذلك الموضع حول المسجد فسمَّوه الآريَّ، ومعنى ما أراد البخاريُّ أنَّ النَّخَّاسين كانوا يسمُّون مَرابط دوابِّهم بهذه الأسماء ليدلِّسوا على المشتري فيحرِصَ المشتري عليها، ويظنَّ أنَّها طريَّة الجَلْب، وأرى أنَّه نقصَ في الأصل بعد لفظ: (آرِيَّ) لفظة: دَوَابِّهِم.
          وما ذكره البخاريُّ عن عُقْبة / موقوفًا، رفعه الأئمَّة أحمد وابن ماجَهْ والحاكم مِنْ حديث ابن شِمَاسَةَ عنه مرفوعًا: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُغَيِّبَ مَا بِسِلْعَتِهِ عَنْ أَخِيهِ إِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ تَرَكَهَا)) هذا لفظ أحمد، ولفظ ابن ماجَهْ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا وَفِيْهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَه))، ولفظ الحاكم: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إِنْ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ أَلَّا يُبَيِّنَهُ لَهُ))، قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشَّيخين، وأقرَّه البَيْهَقيُّ في «خلافيَّاته» على تصحيحه، وفي «مسند الإمام أحمد» وحده: ابنُ لَهِيعةَ، وحالته معلومة.
          وابن شِمَاسَةَ هو عبد الرَّحمن، وقد انفرد عنه بالإخراج مسلم ووُثِّق، وفي سند الحاكم محمَّدُ بن سِنانٍ القزَّاز، قال الدَّارَقُطْنيُّ: لا بأسَ به. وضعَّفه غيره جدًّا، وقد تابعه ابن بشَّار الإمام كما هو عند ابن ماجَهْ، وأمَّا ابن جَرير الطَّبريُّ فقال: في إسناده نظرٌ، ولابن ماجَهْ مِنْ حديث مكحولٍ وسليمان بن موسى عن واثلةَ مرفوعًا: ((مَنْ بَاعَ بيعًا لَمْ يُبَيِّنْهُ، لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللهِ، وَلَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ)) وروى مكحولٌ عن أبي أُمَامة مرفوعًا: ((أَيُّمَا مُسْلِمٍ اسْتَرْسَلَ إِلَى مُسْلِمٍ فَغَبَنَه كَانَ غَبْنُهُ ذَاكَ رِبًا)) رواه قاضي سَمَرْقَنْدَ محمَّدُ بن أسلمَ في كتاب «الرِّبا» عن عليِّ بن إسحاقَ: أخبرنا موسى بن عُمير، عن مكحول به. وحديث الباب يأتي قريبًا في باب: كم يجوز الخيار، وأقرب مِنْه باب: ما يمحق الكذب والكتمان في البيع.
          وأصل الباب أنَّ نصيحة المسلم للمسلم واجبة، وقد كان سيِّد الأمَّة يأخذها في البيعة على النَّاس كما يأخذ عليهم الفرائض. قال جرير: ((بايعت رسول الله صلعم على السَّمع والطَّاعة، فشرط عليَّ: وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ)) كما سلف آخرَ الإيمان، فكان إذا بايع أحدًا يقول: ((الَّذِي أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنَ الَّذي أَعْطَيْنَاكَ)) لأجل هذه المبايَعة. وأمر المؤمنين بالتحابِّ والمؤاخاة في الله. وصحَّ كما سلف أنَّه: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) فحرم بهذا كلِّه غِشَّ المؤمن وخديعتَه، دليلُه حديثُ عُقبةَ السَّالفُ وغيره، فكتمان العيب في السِّلع حرام، ومَنْ فعل هذا فهو متوعَّد بمحقِ بركة بيعه في الدُّنيا والعقاب الأليم في الآخرة. وعندنا أنَّ الأجنبيَّ إذا علم بالعيب أيضًا يجب عليه بيانُه.