التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب بيع الجمار وأكله

          ░94▒ بَابُ: بَيْعِ الجُمَّارِ وَأَكْلِهِ.
          2209- ذكر فيه حديثَ ابن عمر: (كُنْتُ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم وَهُوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا، فَقَالَ: مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ كَالرَّجُلِ المُؤْمِنِ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَحْدَثُهُمْ. فَقَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ).
          هذا الحديث سلف في كتاب العلم، وتكرَّر فيه فراجعْه.
          والجُمَّار: قلب النَّخلة، وذكر البخاريُّ الأكلَ فقط ولم يذكر البيع، لأنَّه نبَّه عليه بأكله، لأنَّ كل ما جاز أكلُه جاز بيعُه، وكذا قال ابن المنيِّر، أنَّه أخذه مِنَ القياس على أكله، إذ يدلُّ على أنَّه مباح، واستغرب الشَّارح _يعني ابن بَطَّال_ ذِكرَه لبيع الجُمَّار بناءً مِنْه على أنَّه مجمع عليه، وأنَّه لا يتخيَّل أحدٌ فيه المنعَ، حيث قال: بيعُ الجمَّار وأكلُه مِنَ المباحات الَّتي لا اختلاف فيها بين العلماء، وكلُّ ما / انتُفع به للأكل وغيره فجائز بيعه. قال: وقد وقع في عصرنا لبعضهم إنكارٌ على مَنْ جمَّر نخلَه ليأكلَه تحريجًا مِنْ أكل غيره مما لم يصفُ من الشُّبهة، وينسبه لإضاعة المال، وذُهِلَ عن كونه حَفِظَ مالَه بمالِه.
          وفيه مِنَ الفوائد: أكلُ الشَّارع بحضرة القوم تواضعًا، ولا عبرة بقول بعضهم: إنَّه يُكرَه إظهارُه، وإنَّه يخفي مُدْخَلَه كما يخفي مُخْرَجَه، وهذا الحديث يردُّ عليه.
          وقوله: (كَالرَّجُلِ المُؤْمِنِ) أخذه مِنْ قوله تعالى: {مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم:24]. وقوله: (أَحْدَثُهُمْ) أي سنًّا، وفعل ذلك استحياء.