إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك

          4785- وبه قال‼: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكمُ بنُ نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابنُ أبي حمزةَ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّدِ بنِ مسلمِ ابنِ شهابٍ، أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بنِ عوفٍ: (أَنَّ عَائِشَةَ ♦ زَوْجَ النَّبِيِّ صلعم أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم جَاءَهَا حِينَ أَمَرَ اللهُ) بإسقاط ضمير المفعول، ولأبي ذرٍّ: ”أمرَهُ اللهُ“ (أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ) بين الدنيا والآخرة، أو بين الإقامة والطلاق، قال الماورديُّ: الأشبهُ بقول الشافعيِّ الثاني، وهو الصحيحُ، وقال القرطبيُّ: والنافعُ الجمعُ بين القولين؛ لأنَّ أحد الأمرين ملزومٌ بالآخر، وكأنَّهُنَّ خُيِّرْنَ بين الدنيا فيطلقْهُنَّ، وبين الآخرة فيمسكُهُنَّ (فَبَدَأَ بِي رَسُولُ اللهِ صلعم ) في التخيير قبلهُنَّ (فَقَالَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ تَسْتَعْجِلِي) أي: لا يلزمُك الاستعجال، ولأبي ذرٍّ: ”ألَّا تستعجلي“ أي: لا بأس عليك في التأنِّي وعدم العجلة (حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ) أي: تطلبي منهما المشورة، وفي حديث جابر عند مسلمٍ: «حتى تستشيري أبويك»، وعند أحمدَ: «إني عارض عليك أمرًا، فلا تفتاتِنَّ(1) فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكرٍ وأمِّ رُومان»، وهو يرد على مَن زعم أنَّ أم رومان ماتت سنة ست من الهجرة، فإنَّ التخيير كان في سنة تسع، قالوا: وإنَّما أمرها ◙ باستشارتهما خشيةَ أن يحملها صِغَرُ السِّنِّ على اختيار الفِراق، فإذا استشارت أبويها أرشداها لما فيه المصلحة، ولذا لما فهمت عائشة ذلك قالت: (وَقَدْ عَلِمَ) ◙ (أَنَّ أَبَوَيَّ) بالتشديد (لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ) ◙ : (إِنَّ اللهَ) تعالى (قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ} إِلَى تَمَامِ الآيَتَيْنِ) وهو قوله: { فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب:28-29] وهل كان هذا(2) التخيير واجبًا عليه صلعم ؟ ولا ريب أنَّ القول واجب عليه؛ لأنَّه إبلاغ للرسالة؛ لقوله تعالى: {قُل} وأمَّا التخيير (فَقُلْتُ لَهُ) ◙ : (فَفِي أَيِّ هَذَا) ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”ففي أي شيء“ (أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ) زاد محمَّد بن عمرو عند أحمد والطبرانيِّ(3): ولا أُؤَامِر أبويَّ أبا بكرٍ وأمَّ رُومان، فضحك، و«أَيّ»: اسم معرب يُستفهم به(4)؛ نحو: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}[المرسلات:50] و{ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا}[التوبة:124].
          وحديث الباب أخرجه المؤلِّف أيضًا في «الطَّلاق» [خ¦5262]، وكذا مسلمٌ، وأخرجه النَّسائيُّ في «النكاح» و«الطلاق»، والتِّرمذيُّ في «التَّفسير».


[1] في النسخ: «تفتاتي».
[2] «هذا»: ليس في (ب).
[3] في (م): «الطبري».
[4] في (د): «بها».