إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار

          4623- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكيُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، ابن‼ إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ الزُّهريُّ، أبو إسحاق المدنيُّ نزيل بغداد (عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ) بفتح الكاف، المدنيِّ مؤدِّب ولد عمر بن عبد العزيز (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ) بن حزنٍ القرشيِّ المخزوميِّ، قال ابن المدينيِّ: لا أعلم في التَّابعين أوسع علمًا منه، أنَّه (قَالَ: البَحِيرَةُ: الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ) أي: لبنها لأجل الأصنام (فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ) ذكرٌ أو أنثى، وخصَّ أبو عبيدة المنع بالنِّساء دون الرِّجال، وقال غيره: البحيرة «فعيلةٌ» بمعنى: «مفعولةٌ» واشتقاقها من البَحْر وهو الشَّقُّ، يقال: بَحَرَ ناقته؛ إذا شقَّ أذنها، واختُلِف فيها؛ فقيل: هي النَّاقة تنتج خمسة أبطن آخرها ذكرٌ، فتُشَقُّ أذنها وتُترَك، فلا تُركَب ولا تُحلَب ولا تُطرَد عن مرعًى ولا ماءٍ (وَالسَّائِبَةُ) بوزن «فاعلة» بمعنى: مسيَّبَةٍ؟ (كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ) لأجلها، تذهب حيث شاءت (لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ) ولا تحبس عن مرعًى ولا ماءٍ، وذلك أنَّ الرَّجل كان إذا مرض أو غاب له قريبٌ؛ نذر إن شفاه الله أو مريضه أو قدم غائبه؛ فناقته سائبةٌ، فهي بمنزلة البحيرة، وقيل: هي من جميع الأنعام.
          (قَالَ) أي: سعيد بن المسيَّب بالسّند المذكور: (وَقَالَ(1) أَبُو هُرَيْرَةَ) ╩ : (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الخُزَاعِيَّ) بضمِّ الخاء المعجمة وتخفيف الزَّاي، وسبق في: «باب إذا انفلتت الدَّابَّة في الصَّلاة» [خ¦1212]: «ورأيت فيها عمرو بن لُحَيٍّ» بضمِّ اللَّام وفتح الحاء المهملة، قال الكِرمانيُّ: عامرٌ اسمٌ، ولُحَيٌّ لقبٌ، أو بالعكس، أو أحدهما اسم الجدّ، وقال البرماويُّ: إنَّما هو عمرو بن لُحَيِّ، ولُحَيٌّ اسمه: ربيعة بن حارثة بن عمرٍو. انتهى. وعند أحمد من حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا: «إنَّ أوَّل من سيَّب السَّوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامرٍ» وعند عبد الرَّزَّاق من حديث زيد بن أسلم مرفوعًا: «عمرو بن لُحَيٍّ أخو بني كعبٍ» قال ابن كثيرٍ: فعمرٌو هذا هو(2) ابن لُحَي بن قمعة، أحد رؤساء خزاعة الذين(3) ولوا البيت بعد جُرْهمٍ، وعند ابن جريرٍ عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلعم قال لأكتم بن الجون: «يا أكتم رأيت عمرو بن لُحَيِّ بن قمعة / بن خندفٍ» (يَجُرُّ قُصْبَهُ) بضمِّ القاف وسكون الصَّاد المهملة وبعدها موحَّدةٌ؛ يعني: أمعاءه (فِي النَّارِ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ) قال سعيد بن المسيِّب ممَّا هو موقوفٌ(4) مدرجٌ لا مرفوعٌ: (وَالوَصِيلَةُ): «فعيلةٌ» بمعنى «فاعلةٌ» هي (النَّاقَةُ البِكْرُ، تُبَكِّرُ) أي: تبادر (فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الإِبِلِ) بأنثى (ثُمَّ تُثَنِّي) بفتح المثلَّثة وتشديد النُّون المكسورة (بَعْدُ بِأُنْثَى) ليس بينهما ذكرٌ (وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهُمْ)‼ ولأبي ذرٍّ: ”يسيِّبونها“ أي: الوصيلة (لِطَوَاغِيتِهِمْ) بالمثنَّاة الفوقيَّة؛ من أجل (أَنْ وَصَلَتْ) بفتح الواو في الفرع كأصله، وفي نسخةٍ: بضمِّها (إِحْدَاهُمَا) أي: إحدى الأنثيين (بـ) الأنثى (ـالأُخْرَى، لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ) ويجوز كسر الهمزة من «أنْ وصلت» وهو الذي في الفرع ولم يضبطها في الأصل(5)، وقيل: الوصيلة من جنس الغنم، فقيل: هي الشَّاة تنتج سبعة أبطنٍ عَناقين عَناقين، فإذا ولدت في آخرها عناقًا وجَدْيًا؛ قيل: وصلت أخاها، فجرت مجرى السَّائبة، وقيل غير ذلك.
          (وَالحَامِ) هو (فَحْلُ الإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ المَعْدُودَ) فينتج من صلبه بطنٌ بعد بطنٍ إلى عشرة أبطنٍ (فَإِذَا قَضَى ضِرَابَهُ؛ وَدَعُوهُ) بتخفيف الدَّال، ولأبي ذرٍّ: ”ودَّعوه“ بتشديدها(6) (لِلطَّوَاغِيتِ) أي: تركوه لأجل الطَّواغيت (وَأَعْفَوْهُ مِنَ الحَمْلِ، فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَسَمَّوْهُ الحَامِيَ) لأنَّه حمى ظهره، وقيل: الحام: الفحل يولد لولده، وقيل: الذي يضرب في إبل الرَّجل عشر سنين.
          (وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ، ولأبي ذرٍّ: ”وقال لي أبو اليمان“: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة الحمصيُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ أنَّه قال: (سَمِعْتُ سَعِيدًا) يعني ابن المسيَّب (قَالَ: يُخْبِرُهُ بِهَذَا) بتحتيَّةٍ مضمومةٍ فخاءٍ معجمةٍ ساكنةٍ فموحَّدةٍ، من الإخبار، أي: سعيد بن المسيَّب يُخبِر الزُّهريَّ، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”قال: بحيرة بهذا(7)“ بموحَّدةٍ مفتوحةٍ، فحاءٍ مهملةٍ فتحتيَّةٍ ساكنةٍ؛ إشارةً إلى تفسير البحيرة وغيرها، كما في رواية إبراهيم بن سعدٍ عن صالح بن كيسان عن الزُّهريِّ (قَالَ) أي: سعيد ابن المسيَّب: (وَقَالَ(8) أَبُو هُرَيْرَةَ) ☺ : (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم ؛ نَحْوَهُ) أي: المذكور في الرِّواية السَّابقة [خ¦4622] وهو قوله: «البحيرة التي يُمنَع دَرُّها للطَّواغيت».
          (وَرَوَاهُ)(9) أي: الحديث المذكور (ابْنُ الهَادِ) يزيد بن عبد الله بن أسامة اللَّيثيُّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ سَعِيدٍ) هو ابن المسيَّب (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ) تعالى (عَنْهُ) أنَّه قال: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم ) وهذا رواه ابن مردويه من طريق حميد بن خالدٍ المهريِّ(10) عن ابن الهاد، ولفظه: «رأيت عمرو بن عامرٍ الخزاعيَّ يجرُّ قُصْبه في النَّار، وكان أوَّل من سيَّب السَّوائب» والسَّائبة: التي كانت تُسيَّب فلا يُحمَل عليها شيءٌ... إلى آخر التَّفسير المذكور، وقال الحافظ ابن كثيرٍ فيما رأيته في «تفسيره»: قال الحاكم: أراد البخاريُّ أنَّ يزيد بن عبد الله ابن الهاد رواه عن عبد الوهَّاب بن بُخْت(11) عن الزُّهريِّ، كذا حكاه شيخنا أبو الحجَّاج المزِّيُّ في «الأطراف» وسكت ولم ينبِّه عليه، وفيما قاله الحاكم نظرٌ؛ فإنَّ الإمام أحمد وأبا جعفر بن جريرٍ روياه من حديث‼ اللَّيث بن سعدٍ عن ابن الهاد عن الزُّهريِّ نفسه، والله أعلم.


[1] في (د): «قال».
[2] «هو»: ليس في (د).
[3] زيد في (ص): «كانوا».
[4] «موقوفٌ»: ليس في (د) و(م).
[5] قوله: «وهو الذي في الفرع ولم يضبطها في الأصل» ليس في (د) و(م).
[6] «ولأبي ذرٍّ: ودَّعوه بتشديدها»: جاء في (د) بعد قوله: «لأجل الطَّواغيت».
[7] «بهذا»: ليس في (د) و(م)، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[8] زيد في (د): «لي».
[9] في (د): «رواه».
[10] في (ب): «المهدي»، ولعلَّه تحريفٌ.
[11] في (د): «مخبٍّ»، وهو تحريفٌ.