إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس}

          ░10▒ (بابُ قَولِه) جلَّ وعلا: ({ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ}) خبرٌ عن الأشياء المتقدِّمة، وإنَّما أُخبِر عن جمعٍ بمفردٍ، لأنَّه على حذف مضافٍ، أي: إنَّما تعاطي الخمر... إلى آخره(1) ({مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[المائدة:90]) لأنَّه مسببٌ من تسويله وتزيينه، والجملة(2) في موضع رفعٍ صفةٌ لـ {رِجْسٌ}.
          (وَقَالَ) بالواو، ولأبي ذرٍّ: ”قال“ (ابْنُ عَبَّاسٍ) ╠ ممَّا وصله ابن المنذر من طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه: ({وَالأَزْلاَمُ}): هي (القِدَاحُ) أي: السِّهام التي (يَقْتَسِمُونَ بِهَا فِي الأُمُورِ) في الجاهليَّة(3) (وَالنُّصُبُ) ولأبي ذرٍّ بإسقاط الواو، و«النُّصُب» بضمِّ النُّون والصَّاد، قال ابن عبَّاس ممَّا(4) وصله ابن أبي حاتمٍ: هي / (أَنْصَابٌ) كانوا ينصبونها (يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا) وقال ابن قتيبة: حجارةٌ ينصبونها ويذبحون عندها، فتنصبُّ عليها دماء الذَّبائح.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير ابن عبَّاسٍ: (الزَّلَمُ) بفتحتين هو (القِدْحُ) بكسر القاف وسكون الدَّال؛ وهو السَّهم الذي (لَا رِيشَ لَهُ، وَهُوَ وَاحِدُ الأَزْلَامِ) ويقال للسَّهم أوّل ما يقطع: قِطْعٌ، ثمَّ يُنْحَت ويُبْرَى فيُسَمَّى بَريًا، ثمَّ يُقوَّم فيُسمَّى قِدْحًا، ثمَّ يُراش ويُركَّب نصله فيسمَّى سهمًا (وَالاِسْتِقْسَامُ) هو (أَنْ يُجِيلَ) بالجيم‼ (القِدَاحَ) قيِّمُها(5) (فَإِنْ نَهَتْهُ) بأن خرج: نهاني ربِّي (انْتَهَى) وترك (وَإِنْ أَمَرَتْهُ) بأن خرج: أمرني ربِّي (فَعَلَ مَا تَأْمُرُهُ) زاد أبو ذرٍّ: ”به“، وإنَّ معنى قوله: (يُجِيلُ) بضمِّ التَّحتيَّة وكسر الجيم، أي: (يُدِيرُ) من الإدارة، وكانوا يعطون القيِّم على إجالتها مئة درهمٍ (وَقَدْ أَعْلَمُوا القِدَاحَ) وكانت سبعةً مستويةً موضوعةً في جوف الكعبة عند هُبَل أعظم أصنامهم (أَعْلَامًا) يكتبونها عليها (بِضُرُوبٍ) أي: بأنواعٍ من الأمور، فعلى واحدٍ: أمرني ربِّي، وعلى الآخر: نهاني ربِّي، وعلى آخر: واحدٌ منكم، وعلى آخر: من غيركم، وعلى آخر: ملصقٌ، وعلى آخر: العقل، والسَّابع غفلٌ، أي: ليس عليه شيءٌ وكانوا (يَسْتَقْسِمُونَ) أي: يطلبون (بِهَا) بيان قسمهم من الأمر الذي يريدونه؛ كسفرٍ أو نكاحٍ أو تجارةٍ، أو اختلفوا فيه؛ من نسبٍ أو أمر قتيلٍ أو حمل عقلٍ؛ وهو الدِّية، أو غير ذلك من الأمور العظيمة، فإن أجالوه على نسبٍ وخرج: منكم؛ كان وسطًا فيهم، وإن خرج: من غيركم؛ كان حليفًا فيهم(6)، وإن خرج: ملصقًا؛ كان على حاله، وإن اختلفوا في العقل؛ فمن خرج عليه قدحه؛ تحمَّله(7)، وإن خرج الغفل الذي لا علامة عليه(8)؛ أجالوا ثانيًا حتَّى يخرج المكتوب عليه، وقد نهاهم الله عن ذلك وحرَّمه وسمَّاه فسقًا، ووقع في روايةٍ: ”يستقسمون(9) به“؛ بتذكير الضَّمير، أي: يستقسمون بذلك الفعل (وَفَعَلْتُ مِنْهُ: قَسَمْتُ) قال في «العمدة»: أشار به إلى أنَّ من أراد أن يُخبِر عن نفسه من لفظ الاستقسام؛ يقول: قسمتُ بضمِّ التاء (وَالقُسُومُ) بضمِّ القاف على وزن «فُعُول» (المَصْدَرُ(10)).


[1] «أي: إنما تعاطي الخمر...إلى آخره»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[2] في (ب) و(س): «الظَّرف».
[3] «في الجاهليَّة»: ليس في (د).
[4] في (د): «فيما».
[5] في (د): «فيها».
[6] «فيهم»: ليس في (د).
[7] في (س): «يحمله».
[8] ضرب عليها في (م)، وكتب مكانها: «فيه».
[9] في (د): «يستقيمون»، ولعلَّه تحريفٌ.
[10] في (م): «للمصدر».