إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون}

          ░4▒ (باب قوله) ╡، وسقط لفظ «باب» لغير أبي ذرٍّ، و«قوله» للكُشْمِيهَنيِّ والحَمُّويي ({فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ}) رفعٌ عطفًا على الفاعل المستتر في «اذهب»، وجاز ذلك للتَّأكيد بالضَّمير، ويحتمل أنهم أرادوا حقيقة الذَّهاب على الله؛ لأنَّ مذهب اليهود التَّجسيم، ويؤيِّده مقابلة الذَّهاب بالقعود في قولهم: ({فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}[المائدة:24]) وظاهر الكلام أنَّهم قالوا ذلك استهانةً بالله ورسوله، وعدم مبالاةٍ بهما، وأصل هذا: «أنَّ موسى ◙ أُمِر أن يدخلوا مدينة الجبَّارين؛ وهي أريحاء، فبعث إليهم اثني عشر عينًا، من كلِّ سبطٍ منهم عينٌ؛ ليأتوه بخبر القوم، فلمَّا دخلوها رأوا أمرًا عظيمًا من هيئتهم وعظمتهم، فدخلوا حائطًا لبعضهم، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثِّمار من حائطه، فنظر إلى آثارهم فتتبَّعهم، فكلَّما أصاب واحدًا منهم؛ أخذه(1) فجعله في كمِّه مع الفاكهة، حتَّى التقطهم كلَّهم(2) فجعلهم في كمِّه مع الفاكهة، وذهب إلى مَلِكهم فنثرهم بين يديه، فقال المَلِك: قد رأيتم شأننا، فاذهبوا وأخبروا صاحبكم» رواه ابن جريرٍ عن عبد الكريم بن الهيثم(3)، حدَّثنا إبراهيم بن بشَّار حدَّثنا سفيان عن أبي سعيدٍ عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ. قال ابن كثيرٍ: وفي هذا الإسناد نظرٌ، وقد ذكر كثير من المفسِّرين أخبارًا من وضع بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبَّارين، وأنَّه كان فيهم عَوْجُ بن عُنُقٍ بنت(4) آدم‼ ╕ ، وأنَّه كان طوله ثلاثة آلاف ذراعٍ وثلاث مئةٍ وثلاثةٌ وثلاثين ذراعًا وثلث ذراعٍ، تحرير الحساب، وهذا شيء يُسْتَحيا منه، ثمَّ هو مخالفٌ لِمَا في «الصَّحيح»: أنَّ رسول الله صلعم قال: «إن الله خلق آدم طوله / ستُّون ذراعًا، ثمَّ لم يزل الخلق ينقص حتَّى الآن» [خ¦3326] ثمَّ ذكروا أنَّ عوجًا كان كافرًا، وأنَّه امتنع من ركوب السَّفينة، وأنَّ الطُّوفان لم يصل إلى ركبته، وهذا كذبٌ وافتراء، فإنَّ الله تعالى ذكر أنَّ نوحًا دعا على أهل الأرض من الكافرين فقال: {رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح:26] وقال تعالى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ}[الشعراء:119-120] وقال تعالى {لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ}[هود:43] وإذا كان ابن نوحٍ غرق؛ فكيف يبقى عَوْجُ بن عُنُقٍ وهو كافرٌ؟! هذا لا يسوغ في عقلٍ ولا في شرعٍ، ثمَّ في وجود رجلٍ يقال له: عَوْج بن عُنُقٍ نظرٌ، والله أعلم. انتهى.


[1] زيد في (د): «منهم».
[2] في (م): «جميعًا».
[3] زيد في (ص): «ثم».
[4] في (م): «بن»، وكلاهما وارد.