إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب}

          ░14▒ هذا (بابٌ) _بالتنوين_ في قوله تعالى: ({وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}) رقيبًا كالشَّاهد، لم أُمَكِّنهم من هذا القول الشَّنيع / ؛ وهو المذكور في قوله تعالى: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ}[المائدة:116] فضلًا عن(1) أن يعتقدوه ({مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي}) أي: بالرَّفع إلى السَّماء؛ لقوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ}[آل عمران:55] والتَّوفِّي: أخذ الشَّيء وافيًا، والموت نوعٌ منه ({كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}) المراقب لأحوالهم، فتمنع من أردت عصمته بأدلَّة العقل والآيات التي أُنزِلت إليهم ({وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة:117]) مطَّلعٌ عليه مراقبٌ له، قال في «فتوح الغيب»: فإن قلت: إذا كان الشَّهيد بمعنى: الرَّقيب؛ فلمَ عدل عنه إلى الرَّقيب في قوله تعالى: {كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} مع أنَّه ذيَّل الكلام بقوله: {وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}؟ وأجاب: بأنَّه خُولِف بين العبارتين؛ ليميِّز بين الشَّهيدين والرَّقيبين، فيكون(2) عيسى ◙ رقيبًا ليس كالرَّقيب الذي يَمْنَع ويُلزِم، بل هو كالشَّاهد على المشهود عليه، ومَنْعُه بمجرَّد القول، وأنَّه تعالى هو الذي يمنع منع إلزامٍ؛ بنصب الأدلَّة وإنزال البيِّنات(3) وإرسال الرُّسل، وسقط لأبي ذرٍّ قوله: «{فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي}...» إلى آخره، وقال بعد قوله: {مَّا دُمْتُ فِيهِمْ}: ”الآية“.


[1] «عن»: ليس في (ص) و(م).
[2] في (د): «لكون».
[3] في (د): «لبيان».