إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}

          ░7▒ هذا(1) (بابٌ) _بالتَّنوين_ في قوله تعالى: ({يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ}) جميع ({مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ})[المائدة:67] إلى كافَّة النَّاس، مجاهرًا به غير مراقبٍ أحدًا ولا خائفٍ مكروهًا، قال مجاهدٌ فيما رواه ابن أبي حاتمٍ: لمَّا نزلت: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} قال: يا ربِّ كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون عليَّ؟ فنزلت: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}(2) أي(3): فإن أهملت شيئًا من ذلك؛ فما بلغت رسالته؛ لأنَّ ترك إبلاغ البعض محبطٌ للباقي؛ لأنَّه ليس‼ بعضه أولى من بعضٍ، وبهذا تظهر المغايرة بين الشَّرط والجزاء، قال ابن الحاجب: الشَّرط والجزاء إذا اتَّحدا؛ كان المراد بالجزاء(4): المبالغة، فوضع قوله: {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} موضع: أمرٍ عظيمٍ، أي: فإن لم تفعل فقد ارتكبت أمرًا عظيمًا، وقال في «الانتصاف»: قال: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} ولم يقل: وإن لم تبلِّغ ليتغايرا لفظًا، وإن اتَّحدا معنًى، وهي أحسن بهجةً من تكرار اللَّفظ الواحد في الشَّرط والجزاء، وهذا من محاسن علم البيان، وقُدِّر المضاف وهو قوله: جميع ما أُنزِل؛ لأنَّه صلوات الله وسلامه عليه كان مبلِّغًا، فعلى هذا: فائدة الأمر المبالغة والكمال؛ يعني: ربَّما أتاك الوحي بما تكره أن تبلغه خوفًا من قومك، فبلِّغ الكلَّ ولا تخف، وقال الرَّاغب _فيما حكاه الطِّيبيُّ_: فإن قيل: كيف قال: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وذلك كقولك(5): إن لم تبلِّغ فما بلَّغت؟ قيل: معناه: وإن لم تبلِّغ كلَّ ما أُنزِل إليك؛ تكون في حكم من لم يبلِّغ شيئًا ممَّا أنزل الله، بخلاف ما قالت الشِّيعة: إنَّه(6) قد كتم أشياء على سبيل التَّقيَّة، وعن بعض الصُّوفيَّة: ما يتعلَّق به مصالح العباد وأُمِر بإطلاعهم عليه؛ فهو مُنزَّه عن كتمانه، وأمَّا ما خُصَّ به من الغيب ولم يتعلَّق به مصالح أمَّته؛ فله بل عليه كتمانه.


[1] «هذا»: ليس في (د).
[2] قوله: «قال مجاهدٌ فيما رواه ابن أبي حاتمٍ... فنزلت: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}»، جاء في (د) لاحقًا بعد قوله: «أمرًا عظيمًا».
[3] «أي»: ليس في (د).
[4] في (د): «بالخبر» ولعلَّه تحريفٌ.
[5] في (ب): «كقوله».
[6] في (د): «بأنَّه»، وليس فيها: «قد».