إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: هذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها

          4610- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ) أحد شيوخ المؤلِّف، روى عنه هنا(1) بواسطةٍ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ) هو عبد الله بن عون بن أَرْطَبان المزنيُّ البصريُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (سَلْمَانُ) بفتح السِّين وسكون اللَّام مكبَّرًا، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”سليمان“ بضمِّ السِّين وفتح اللَّام مصغَّرًا، والصَّواب الأوَّل، كما ذكره ابن طاهرٍ وعبد الغني المقدسيُّ وغيرهما (أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ) بكسر القاف، عبد الله بن زيد (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ) وكان قد أبرز سريره للنَّاس، ثمَّ أَذِنَ لهم فدخلوا (فَذَكَرُوا) القَسامة لمَّا استشارهم عمر فيها (وَذَكَرُوا) له شأنها (فَقَالُوا): نقول: فيها القود (وَقَالُوا: قَدْ أَقَادَتْ بِهَا الخُلَفَاءُ) قبلك، وفي «المغازي» [خ¦4193] من طريق أيوب والحجَّاج الصَّوَّاف عن أبي رجاءٍ: فقالوا: حقٌّ قضى بها رسول الله صلعم ، وقضت بها الخلفاء قبلك (فَالتَفَتَ) عمر رحمة الله عليه (إِلَى أَبِي قِلَابَةَ وَهْوَ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ؟ أَوْ قَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلَابَةَ؟) شكَّ الرَّاوي، زاد في «الدِّيات» [خ¦6899] من طريق الحجَّاج عن(2) أبي عثمان عن أبي رجاءٍ: «فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب، أرأيت لو أنَّ خمسين منهم شهدوا على رجلٍ محصنٍ بدمشق أنَّه قد زنا ولم يروه، أكنت ترجمه؟ قال: لا، قلت: أرأيت لو أنَّ خمسين منهم شهدوا على رجلٍ بحمص‼ أنَّه سرق، أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا» (قُلْتُ) زاد في «الدِّيات» أيضًا: «والله» (مَا عَلِمْتُ نَفْسًا حَلَّ قَتْلُهَا فِي الإِسْلَامِ إِلَّا رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، أَوْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ صلعم ) سقطت التَّصلية لأبي(3) ذرٍّ، وزاد في «الدِّيات» «وارتدَّ عن الإسلام» (فَقَالَ عَنْبَسَةُ) بفتح العين المهملة وسكون النُّون وفتح الموحَّدة والسِّين المهملة، ابن سعيد بن العاص بن أميَّة القرشيُّ الأمويُّ: (حَدَّثَنَا أَنَسٌ) هو ابن مالكٍ (بِكَذَا وَكَذَا) يعني: بحديث العُرَنيِّين، قال أبو قِلابة: (قُلْتُ) ولأبي ذرٍّ: ”فقلت“: (إِيَّايَ حَدَّثَ / أَنَسٌ، قَالَ: قَدِمَ قَوْمٌ) من عُكْلٍ أو عرينة ثمانيةٌ سنة ستٍّ (عَلَى النَّبِيِّ صلعم فَكَلَّمُوهُ) بعد أن بايعوه على الإسلام (فَقَالُوا: قَدِ اسْتَوْخَمْنَا هَذِهِ الأَرْضَ) أي: استثقلنا المدينة، فلم يوافق هواؤها أبداننا، وكانوا قد سقموا (فَقَالَ) صلعم : (هَذِهِ نَعَمٌ) أي: إبل(4) (لَنَا تَخْرُجُ) لترعى مع إبل الصَّدقة (فَاخْرُجُوا فِيهَا فَاشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا) للتَّداوي، فليس فيه دليلٌ على الإباحة في غير حال الضَّرورة، وعن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا فيما رواه ابن المنذر: «إنَّ في أبوال الإبل شفاءً للذَّرِبة بطونهم» والذَّرَب: فساد المعدة، فلا دلالة فيه على الطَّهارة (فَخَرَجُوا فِيهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا(5)، وَاسْتَصَحُّوا) أي: حصلت لهم الصِّحَّة من ذلك الدَّاء (وَمَالُوا عَلَى الرَّاعِي) يسارٍ النُّوبيِّ (فَقَتَلُوهُ، وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ) بتشديد الطَّاء، أي: ساقوها سوقًا شديدًا (فَمَا يُسْتَبْطَأُ) بضمِّ أوَّله وسكون المهملة وبعد الفوقيَّة موحَّدةٌ ساكنةٌ فطاءٌ مهملةٌ فهمزةٌ، مبنيًّا للمفعول، «استفعالٌ» من البطء الذي هو نقيض السُّرعة، أي: أيُّ(6) شيء يُستَبْطأُ به (مِنْ هَؤُلَاءِ) العُكْليِّين؟! وفي نسخةٍ أخرى: ”فما يُستَبقى“ بالقاف بدل الطَّاء من غير همزٍ، أي: ما يُتَرك من هؤلاء؟! استفهامٌ فيه معنى التعجُّب، كالسَّابق (قَتَلُوا النَّفْسَ وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في رواية حميدٍ عن أنسٍ عند الإمام أحمد(7): وهربوا محارِبين (وَخَوَّفُوا رَسُولَ اللهِ صلعم ، فَقَالَ) أي: عنبسة متعجِّبًا من أبي قِلابة: (سُبْحَانَ اللهِ!) قال أبو قلابة: (فَقُلْتُ) لعنبسة: (تَتَّهِمُنِي) فيما رويته من حديث أنسٍ؟! وفي «الدِّيات» [خ¦6899]: «فقال عنبسة بن سعيدٍ: والله إنْ سمعتُ كاليوم قطُّ، فقلت: أتردُّ عليَّ حديثي يا عنبسة؟» (قَالَ): لا، ولكن جئت بالحديث على وجهه (حَدَّثَنَا بِهَذَا أَنَسٌ، قَالَ)(8) أبو قلابة: (وَقَالَ) عنبسة: (يَا أَهْلَ كَذَا) أي: يا أهل الشَّام؛ لأنَّ وقوع ذلك كان بها، وقول الحافظ ابن حجرٍ: إنَّه وقع التَّصريح به في رواية «الدِّيات» لم أره، فلعلَّه سهوٌ (إِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا أَبْقَى اللهُ) بفتح الهمزة والقاف مبنيًّا للفاعل(9) (هَذَا) أبا(10) قلابة (فِيكُمْ، وَمِثْلُ هَذَا) ولأبي ذرٍّ: ”أو“ وهو شكٌّ من الرَّاوي، ولأبي ذرٍّ(11) أيضًا عن الحَمُّويي‼ والمُستملي: ”ما أُبقِيَ مثلُ هذا فيكم“ برفع «مثل» وضمِّ همزة «أُبقِي» وكسر قافه، وللكُشْميهنيِّ: ”ما أبقى الله مثل هذا فيكم“(12) بإظهار الفاعل، وفي نسخةٍ: ”ما بقي“ بإسقاط الألف، وفي «الدِّيات» [خ¦6899]: «والله لا يزال هذا الجند بخيرٍ ما عاش هذا الشَّيخ بين أظهرهم».
          وهذا الحديث مرَّ في «الطَّهارة» في «أبوال الإبل» [خ¦233] و«المغازي» [خ¦4193] ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في «الدِّيات» [خ¦6899] مع بقيَّة مباحثه.


[1] «هنا»: ليس في (د).
[2] في (د): «بن»، وهو تحريفٌ.
[3] في (د): «لغير أبي» وليس بصحيحٍ.
[4] في (د): «يعني: إبلًا».
[5] «وألبانها»: ليس في (د).
[6] «أيُّ»: مثبتٌ من (س).
[7] «أحمد»: مثبتٌ من (ب) و(س)، وهو الصَّواب والحديث في «المسند»(3/107، 3/205).
[8] في (د): «وقال».
[9] في (م): «للمفعول»، وفي (د): «ما أُبقي؛ بضم الهمزة، وكسر القاف، مبنيًّا للمفعول»، وكذا في «اليونينيَّة».
[10] في (د): «أبو».
[11] قوله: «أو وهو شكٌّ من الرَّاوي، ولأبي ذرٍّ»، سقط من (م).
[12] قوله: «برفع مثل، وضمِّ همزة أُبقِي وكسر قافه، وللكُشْميهنيِّ: ما أبقى الله مثل هذا فيكم»، سقط من (ص). وهو مضروب عليه في (ج)، ثم كتب هامشها: ما تحت الضَّرْب صحيحٌ معتدٌّ به.