إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله: {إن في خلق السموات والأرض}

          ░17▒ (باب قوله) تعالى: ({إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ}) من الارتفاع(1) والاتِّساع، وما فيها من الكواكب السَّيارات والثَّوابت وغيرها ({وَالأَرْضِ}) من الانخفاض والكثافة والاتِّضاع، وما فيها من البحار والجبال والقفار والأشجار والنَّبات والحيوان والمعادن وغيرها ({وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}) في الطُّول والقصر وتعاقبهما ({لآيَاتٍ}) لدلالاتٍ واضحاتٍ على وجود الصَّانع ووحدته وكمال قدرته، واقتصر على هذه الثَّلاثة في هذه الآية؛ لأنَّ مناط الاستدلال هو التَّغيُّر، وهذه معرَّضة(2) لجملة أنواعه، فإنَّه إنَّما(3) يكون في ذات الشَّيء‼ كتغيُّر اللَّيل والنَّهار، أو جزئه كتغيُّر العناصر بتبدِّل صورتها، أو الخارج عنه(4) كتغيُّر(5) الأفلاك بتبدُّل(6) أوضاعها، قاله(7) في «الأنوار»، وقال في «المفاتح»(8) ما حاصله: أنَّ السَّالك إلى الله لا بدَّ له في أوَّل الأمر من تكثير الدَّلائل، وبعد كمال العرفان يميل إلى تقليل الدَّلائل؛ لأنَّ اشتغاله بها كالحجاب له عن استغراق القلب في معرفة الله تعالى، ثمَّ إنَّه سبحانه حذف هنا الدَّلائل الأرضيَّة واستبقى الدَّلائل السَّماويَّة؛ لأنَّها أقهر وأبهر، والعجائب فيها أكثر، وانتقال القلب منها إلى عظمة الله وكبريائه أشدُّ ({لِّأُوْلِي الألْبَابِ}[آل عمران:190]) لذوي العقول الصَّافية الذين يفتحون بصائرهم للنَّظر والاستدلال والاعتبار، لا ينظرون إليها نظر البهائم؛ غافلين عمَّا(9) فيها من عجائب مخلوقاته وغرائب مبتدعاته، وسقط لغير أبي ذرٍّ قوله: «{وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}...» إلى آخره، وقالوا: ”الآية“ بعد قوله: {وَالأَرْضِ}.


[1] في (ص): «بالارتفاع».
[2] في (د): «متعرِّضة».
[3] في (ب): «إمَّا أن».
[4] في (م): «منه».
[5] في (د): «كتغيير».
[6] في (د): «بتبديل».
[7] في (ص): «قال».
[8] في (ب): «الفتح»، وفي (د) و(م): «المصابيح»، والصواب أنه مفاتيح الغيب للرازي والنص فيه (9/459).
[9] في (م): «ممَّا» ولعلَّه تحريفٌ.