إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}

          ░6▒ هذا (بابٌ) _بالتَّنوين_ في قوله تعالى: ({قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[آل عمران:93]) لمَّا قال ╕ : «أنا على ملَّة إبراهيم» قالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها؟ فقال ╕ : «كان حلالًا لإبراهيم، فنحن نُحِلُّه» فقالت اليهود: كلُّ شيءٍ أصبحنا اليوم نُحرِّمه كان محرَّمًا على نوحٍ وإبراهيم حتَّى انتهى إلينا، فأنزل الله تعالى تكذيبًا لهم وردًّا عليهم؛ حيث أرادوا براءة ساحتهم ممَّا نُعيَ عليهم من البغي‼ والظُّلم والصَّدِّ عن سبيل الله، وما عدَّد من مساوئهم التي كلَّما ارتكبوا منها كبيرةً؛ حرَّم الله عليهم نوعًا من الطَّيِّبات؛ عقوبةً لهم في قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}... إلى قوله: {عَذَابًا أَلِيمًا}[النساء:160-161] وفي قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}... إلى قوله: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ}[الأنعام:146] {كُلُّ الطَّعَامِ} أي: المطعومات {كَانَ حِـلاًّ} أي: حلالًا {لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ} وهو يعقوب ◙ {عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} وهو لحوم الإبل وألبانها، وكان ذلك سائغًا في شرعهم، قيل(1): كان به عرق النَّسا، فنذر إن شُفِيَ؛ لم يأكل أحبَّ الطَّعام إليه، وكان ذلك أحبَّ إليه، وقيل: فعل ذلك للتَّداوي بإشارة الأطِبَّاء، واحتجَّ به مَنْ جوَّز للنَّبيِّ أن يجتهد، وللمانع أن يقول: ذلك بإذنٍ من الله، فهو كتحريمه ابتداءً، ثم أمر الله تعالى نبيَّه محمَّدًا صلعم أن يُحاجَّ اليهود بكتابهم، فقال: {قُلْ} أي: لليهود {فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا}[آل عمران:93] أي: فاقرؤوها، فإنَّها ناطقةٌ بما قلناه؛ إذ فيها أنَّ يعقوب حرَّم ذلك على نفسه قبل أن تُنزَّل، وأنَّ تحريم ما حُرِّم عليهم حادثٌ بظلمهم، فلم يُحضِروها، فثبت صدقُ النَّبيِّ صلعم فيه، وجواز النَّسخ الذي ينكرونه، هذا ما يقتضيه سياق هذه الآية التي أوردها البخاريُّ في هذا الباب، وعليه المفسِّرون.


[1] «قيل»: سقط من (ص).