إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله}

          ░14▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين في قوله تعالى: ({وَلاَ يَحْسَبَنَّ (1) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ})(2) قُرِئ: {يَحْسَبَنَّ} بالياء والتَّاء، وعلى التَّقديرين: المضاف محذوفٌ، أي: بُخْل الذين، إذا كان الحسبان للنَّبيِّ صلعم أو لكلٍّ أحدٍ؛ تقديره: بخل الذين يبخلون، وإذا كان الفاعل {الَّذِينَ} فالتَّقدير: بخلهم هو خيرًا لهم ({بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ}) بيان الشَّرِّيَّة، أي: سيصير عذاب بخلهم لازمًا كالطَّوق في أعناقهم ({يَوْمَ الْقِيَامَةِ}) رُوِيَ أنَّه(3) حيَّةٌ تنهشه من فَرْقه إلى قدمه، وتبقر رأسه ({وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}) ما فيهما ممَّا يُتَوارَث ملكٌ له تعالى، فما لهؤلاء يبخلون بملكه ولا ينفقونه في سبيله(4)؟! والتَّعبير بـ «الميراث» خطابٌ بما نعلم ({وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[آل عمران:180]) وسقط لغير أبي(5) ذرٍّ من قوله: «{هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ}...» إلى آخره، وقال: ”الآيةَ“ بالنَّصب.
          وقال العوفيُّ عن ابن عبَّاسٍ فيما رواه ابن جريرٍ: «نزلت في أهل / الكتاب الذين بخلوا(6) بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبيِّنوها» وقيل: في اليهود الذين سُئِلوا أن يُخْبِروا بصفة محمَّدٍ صلعم عندهم، فبخلوا بذلك وكتموه، فيكون البخل بكتمان العلم، والطَّوق: أن يُجعَل في رقابهم أطواق النَّار، وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: «من سُئِل عن علمٍ فكتمه؛ ألجمه الله بلجامٍ من نارٍ يوم القيامة» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وحسَّنه التِّرمذيُّ وصحَّحه الحاكم.
          ({سَيُطَوَّقُونَ}) قال البخاريُّ _كأبي عبيدة_: هو (كَقَوْلِكَ: طَوَّقْتُهُ بِطَوْقٍ) وعند عبد الرَّزَّاق وسعيد بن منصورٍ من طريق إبراهيم النَّخعيِّ بإسنادٍ جيدٍ قال: بطَوْقٍ من النَّار.


[1] في (ب) و(د): {تَحْسَبَنَّ} وهي قراءة حمزة.
[2] { هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ}: ليس في (د).
[3] في (ب) و(س): «أنَّ».
[4] في (م): «سبيل الله».
[5] في (د): «وسقط لأبي».
[6] في (ص) و(م): «يبخلون».