إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}

          ░7▒ هذا (بابٌ) _بالتَّنوين_ في قوله تعالى: ({كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110]) قيل: «كان» ناقصةٌ على بابها، فتصلح للانقطاع؛ نحو: كان زيدٌ قائمًا، وللدَّوام؛ نحو: {وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[النساء:96] فهي بمنزلة «لم يَزَلْ» وهذا بحسب القرائن، فقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} لا يدلُّ على أنَّهم لم يكونوا خيرًا فصاروا خيرًا، أو انقطع ذلك عنهم، وقال(1) في «الكشَّاف»: «كان» عبارةٌ عن وجود الشَّيء في زمانٍ ماضٍ على سبيل الإبهام، وليس فيه دليل على عدمٍ سابقٍ، ولا على انقطاعٍ طارئٍ، ومنه قوله تعالى: {وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[النساء:96] و {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}[آل عمران:110] كأنَّه قيل: وُجِدتم خيرَ أمَّةٍ، قال أبو حيَّان: قولُه: «لم يدلَّ على عدمٍ سابقٍ» هذا إذا لم تكن بمعنى: صار، فإذا كانت بمعنى: صار؛ دلت على عدمٍ سابق، فإذا(2) قلت: كان زيدٌ عالمًا؛ بمعنى: صار زيدٌ عالمًا؛ دلَّت على أنَّه انتقل من حالة الجهل إلى حالة العلم، وقوله: «ولا على انقطاعٍ طارئٍ» قد سبق أنَّ الصَّحيح أنَّها كسائر الأفعال، يدلُّ لفظ المضيِّ منها على الانقطاع، ثم قد يُستَعمل حيث لا انقطاعَ، وفرقٌ بين الدَّلالة والاستعمال، ألا ترى أنَّك تقول: هذا اللَّفظ يدلُّ على العموم، ثم قد يُستَعمل حيث لا يُراد العموم، بل يُراد الخصوص، وقوله: «كأنَّه قيل: وُجِدتم خيرَ أمَّةٍ» يدلُّ على أنَّها التَّامَّة، وأنَّ {خَيْرَ أُمَّةٍ} حالٌ، وقوله: {وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} لا شكَّ أنَّها النَّاقصة، فتعارضا، وأجاب أبو العبَّاس الحلبيُّ: بأنَّه لا تعارضَ؛ لأنَّ هذا تفسير معنًى، لا تفسير إعرابٍ، وقيل: إنَّ «كان» هنا تامَّةٌ؛ بمعنى: وُجِدتم، وحينئذٍ فـ {خَيْرَ أُمَّةٍ} نُصِبَ على الحال، وقيل: زائدةٌ، أي: أنتم خير أمَّةٍ، والخِطاب للصَّحابة، وهذا مرجوحٌ أو(3) غلطٌ؛ لأنَّها لا تُزاد أوَّلًا، وقد نقل ابن مالكٍ الاتِّفاق عليه، وقيل: الخطاب لجميع الأمَّة، أي: كنتم في علم الله، وقيل: في اللَّوح المحفوظ، وعن ابن عبَّاسٍ _فيما رواه أحمد في «مسنده» / ، والنَّسائيُّ في «سُنَنه»، والحاكم في «مُستَدركه»_ قال: «هم الذين هاجروا مع النَّبيِّ صلعم إلى المدينة» والصَّحيح _كما قاله ابن كثيرٍ_ العمومُ في جميع الأمَّة، كلُّ قرنٍ بحسبه، وخير قرونهم الذين(4) بُعِث فيهمُ النَّبيُّ(5) صلعم ، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم [خ¦2651] وفي «سُنن ابن ماجه» و«مُستَدرك الحاكم» وحسَّنه التِّرمذيُّ عن معاوية بن حَيْدة مرفوعًا: «أنتم توفُّون سبعين أمَّةً أنتم خيرُها وأكرمُها على الله ╡».


[1] «وقال»: ليس في (ص).
[2] في (د): «فإن».
[3] في (ص): «أي».
[4] في (د) و(م): «القرن الذي».
[5] «النَّبيُّ»: مثبتٌ من (م).