إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{والرسول يدعوكم في أخراكم}

          ░10▒ (باب قوله) تعالى: ({وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ}) مبتدأٌ وخبرٌ في موضع نصبٍ على الحال، ودعوة الرَّسول: «إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله(1)» يدعوهم إلى ترك الفرار من العدوِّ، وإلى الرَّجعة والكرَّة ({فِي أُخْرَاكُمْ}[آل عمران:153]) قال البخاريُّ تبعًا لأبي عبيدة: (وَهْوَ) أي: {أُخْرَاكُمْ} (تَأْنِيثُ: آخِرِكُمْ) بكسر الخاء المعجمة، قال في «الفتح» و«العمدة» و«التَّنقيح»: فيه نظرٌ؛ لأنَّ «أُخْرَى» تأنيث «آخَر» بفتح الخاء لا كسرها، وزاد في «التَّنقيح»: «أفعل» تفضيل كـ «فُضْلى وأفضل»، وتعقَّبه في «المصابيح» فقال: نظرُ البخاريِّ أدقُّ من هذا؛ وذلك أنَّه لو جعل «أُخَرى» هنا تأنيثًا لـ «آخَر» بفتح الخاء؛ لم يكن فيه دلالةٌ على التَّأخُّر الوجوديِّ؛ وذلك لأنَّه أُمِيتَت(2) دلالته على هذا المعنى بحسب العرف، وصار إنَّما يدلُّ على الوجهين بالمغايرة فقط؛ تقول: مررت برجلٍ حسنٍ ورجلٍ آخر، أي: مغايرٍ للأوَّل، وليس المراد تأخُّره في الوجود عن السَّابق، وكذا: مررت بامرأةٍ جميلةٍ وامرأةٍ أُخْرى، والمراد في الآية: الدَّلالة على التَّأخُّر؛ فلذلك قال: «تأنيث آخِركم» بكسر الخاء؛ لتصير «أُخْرَى» دالَّةً على التَّأخُّر؛ كما في: {وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ}[الأعراف:39] أي: المتقدِّمة للمتأخِّرة، واستعماله في هذا المعنى موجودٌ في كلامهم، بل هو الأصل. انتهى.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ممَّا وصله ابن أبي حاتمٍ في قوله تعالى: ({إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}[التوبة:52]) أي: (فَتْحًا أَوْ شَهَادَةً) ومحلُّ ذكر هذا في سورة براءة على ما لا يخفى، واحتمال وقوع إحدى الحسنَيين(3) وهي الشَّهادة(4) في أُحُدٍ؛ استبعده في «العمدة».


[1] «إليَّ عباد الله»: ليس في (د).
[2] في (د) و(م): «لأنَّه _تأنيث الآخر_ أثُبِتَت» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[3] في (ص): «السِّنيين» وهو تحريفٌ.
[4] في غير (د): «وقعت».