التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: إن النبي نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية

          ساق فيه أحاديث:
          5115- أحدها: حديث الحسن بن مُحمَّد بن عليٍّ وأخيه عَبْدِ الله بن مُحمَّدٍ: (عَنْ أَبِيهِمَا: أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ ♥: إِنَّ النَّبِيَّ صلعم نَهَى عَنِ المُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ).
          هذا الحديث سلف في غزوة خَيبرَ [خ¦4216] عنهما عن أبيهما عن عليٍّ: أنَّ رسولَ الله صلعم نهى عن متعة النِّساء يومَ خيبرَ وعن لحوم الحُمُر الإنسيَّة، وأسلفنا طرفًا مِنَ الكلام عليها، وأخرجه أيضًا في الذَّبائح [خ¦5523] وترك الحِيَل [خ¦6961] ومسلمٌ والتِّرْمِذيُّ والنَّسَائيُّ وابن ماجَهْ.
          5116- ثانيها: حديث أبي جمرة _بالجيم_ نصرِ بن عِمران الضُّبَعيِّ البصريِّ، مات سنة ثمانٍ وعشرين ومئةٍ: (سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَرَخَّصَ فِيْهَا، فَقَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الحَالِ الشَّدِيدَةِ، وَفِي النِّسَاءِ قِلَّةٌ أَوْ نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ).
          هذا الحديث مِنْ أفراده، وعند الإسماعيليِّ: إنَّما كان ذَلِكَ في الجهاد والنِّساءُ قليلٌ، فقال عبد الله: صدق، وللتِّرْمِذيِّ مِنْ حديث موسى بن عُبيدة عن مُحمَّد بن كعبٍ عن ابن عبَّاسٍ: / إنَّما كانت المتعة في أوَّل الإسلام، كان الرَّجل يقدُمُ البلدةَ ليس له بها معرفةٌ، فيُزوَّج المرأة بقدر ما يرى أنَّه مقيمٌ، فتحفظُ له متاعَه، وتصلِحُ له شأنَه حتَّى إذا نزلت الآية: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:6] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فكلُّ فرْجٍ سواهما فهو حرامٌ، قَالَ أبو عيسى: إنَّما روينا الرُّخصة عن ابن عبَّاسٍ ثُمَّ رجع عن قوله حيث أُخبر عن رسول الله صلعم.
          قَالَ الحازميُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ لولا موسى بنُ عُبيدة، وأمَّا ما يُحكى عن ابن عبَّاسٍ فإنَّه كان يتأوَّل في إباحته للمضطرِّين إليه بطول العزبة وقلَّة اليَسار، ثُمَّ توقَّف عنه، فيوشك أن يكون سبب رجوعه عنه قول عليٍّ وإنكاره عليه، وقد رُوِّينا أن ابنَ جُبَيْرٍ قَالَ له: هل تدري ما صنعتَ وبما أفتيت؟ فقد سارت بفُتياك الرُّكبان، وقالت فيه الشُّعراء، قَالَ: وما قالوا؟ قلت: قالوا:
قَدْ قُلْتُ لِلشَّيْخِ لَمَّا طَالَ مَجْلِسُهُ                     يَا صَاحِ هَلْ لَكَ فِي فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسِ
هَلْ لَكَ فِي رَخْصَةِ الأَطْرَافِ آنِسَةٍ                     تَكُونُ مَثْوَاكَ حَتَّى يَصْدُرَ النَّاس
          فقال ابن عبَّاسٍ: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، والله ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت، ولا حلَّلت إلَّا مثل ما أحلَّ الله الميتةَ والدَّمَ ولحمَ الخنزير وما يحلُّ للمضطرِّين، وما هي إلَّا كالميتة وشبهه.
          قَالَ الخَطَّابيُّ: فهذا يبيِّن لك أنَّه سلك مذهب القياس، وشبَّهه بالمضطرِّ إلى الطَّعام الَّذي به قوام النَّفس وبعدمه يكون التَّلف، وإنَّما هذا مِنْ باب غلبة الشَّهوة، ومصابرتُها ممكنةٌ، وقد تُحسم مادَّتها بالصَّوم والعلاج، فليس أحدهما في حكم الضَّرورة. وقد بيَّن سهل بن سعدٍ السَّاعديُّ ذَلِكَ بقوله فيما ذكرَ ابنُ عبدِ البرِّ: إنَّما رخَّص رسول الله صلعم لعُزبةٍ كانت بالنَّاس شديدةٍ، ثُمَّ نهى عنها بعد ذَلِكَ.
          قَالَ ابن جُرَيْجٍ: أخبرني عطاءٌ أنَّ ابن عبَّاسٍ ☻ كان يراها حلالًا حتَّى الآن، ويقرأ فيه: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}، وقال: قال ابن عبَّاسٍ: في حرف أُبيِّ بن كعبٍ {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}، قَالَ: وسمعتُ ابنَ عبَّاسٍ يقول: رحم الله عمرَ، ما كانت المتعة إلَّا رحمةً مِنَ الله يرحم بها عباده، ولولا نهيُ عمرَ ما احتاج إلى الزِّنا إلَّا شقيٌّ، قَالَ أبو عمرَ: أصحاب ابن عبَّاسٍ مِنْ أهل مكَّة واليمن كلُّهم يرَونها حلالًا عَلَى مذهبه، وحرَّمها سائر النَّاس، وروى اللَّيث بن سعدٍ عن بُكَير بن الأشجِّ عن عمَّارٍ مولى الشَّرِيْد: سألت ابنَ عبَّاسٍ عن المتعةِ، أسِفاحٌ هي أم نكاحٌ؟ قَالَ: لا سفاحٌ ولا نكاحٌ، قلت: فما هي؟ قَالَ: المتعة كما قَالَ الله، قلتُ: هل عليها عدَّةٌ؟ قَالَ: نعم حيضةٌ، قلت: يتوارثون؟ قَالَ: لا.