التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة

          ░113▒ (بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ دُخُولِ المُتشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْمَرْأَةِ)
          5235- ذكر فيه حديثَ أمِّ سَلَمَة ♦ أنَّه ◙ (كَانَ عِنْدَهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ...) الحديث، سلف في غزوة الطَّائف [خ¦4324]، ويأتي في اللِّباس [خ¦5887]، وأخرجه مسلمٌ وأبو داودَ والنَّسائيُّ وابن ماجه.
          والمُخنَّثُ اسمُه هِيْتٌ على أحدِ الأقوال، قال الكلبيُّ: وهو مولى عبد الله بن أبي أُميَّةَ ومِن قِبَلِه سرى إلى طُوَيسٍ الخَنَث، وابنة غَيْلَانَ اسمها بَادِيَةُ.
          وأصلُ الحديث كما قال المهلَّب حديث: ((لَا تُباشرُ المرأةُ المرأةَ فَتَنْعَتَها لزَوجِهَا حتَّى كأنَّه يَرَاهَا))، فلمَّا سمع ◙ وصفَ المخنَّث للمرأة بهذه الصِّفةِ الَّتي تقيمُ نفوسَ النَّاس، منعَ أن يدخُلَ عليهنَّ لئلَّا يَصفهنَّ للرِّجال فيسقطَ معنى الحِجَاب.
          قال غيرُه: وفيه أنّه لا ينبغي أن يدخلَ مِن المريبيِن مَن يفطَنُ لمصالحهنَّ ويُحسِن وصفَهنَّ، وأنَّ مَن عَلِم محاسنَهنَّ لا يدخلُ في غير أُولى الإِرْبَة مِن الرِّجال، أمَّا غيرُ أُولي الإِرْبَة الأبله العِنِّين الَّذي لا يفطن لمحاسنهنَّ، ولا إربَ له فيهنَّ، وهذا الحديث أصلٌ في نفي كلِّ مَن يتأذَّى به وإبعادِه بحيث يُؤمَن أذاه.
          قال ابن حبيبٍ: المٌخنَّثُ هو المؤنَّثُ مِن الرِّجالِ وإن لم تُعرف فيه الفاحشة، وهو مأخوذٌ مِن تكسُّر الشَّيء، ومنه حديثه الآخر: أنَّه ◙ نهى عن اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ، وهو أن تُكسَر أفواهها ليشربَ منها، وكان يدخل على أمَّهات المؤمنين لأنَّه كان عندهنَّ مِن غير ذوي الإِرْبَةِ.
          وفي قوله: (تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ) أقوالٌ سلفت: قال مالكٌ: أراد أعْكَانَهَا؛ لأنَّها في أربعِ طَرَائِقَ في بطنها بعضها فوق بعضٍ، فإذا بلغت خصريها صارت ثمانيًا: أربعًا مِن ههنا، وأربعًا مِن ههنا، وقال: (وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ) ولم يقل بثمانيةٍ وإن كان يقع ذلك على الأطراف، وهي مذكَّرةٌ، فإنَّما أراد العُكَنَ وهي مؤنَّثةٌ، واحدُها: عُكَنَة؛ لأنَّ كلَّ جزءٍ مِن العُكَنِ يلزمُه مِن التَّأنيث ما يلزمُ جميعَه، وهذا تأنيثٌ معنويٌّ، وفي بعض الأخبار زيادةٌ: ولها ثغرٌ كَالأُقْحُوَانِ إن جَلَسَت تَثَنَّتْ، وإن نطقَت تغنَّت، وبين رِجْلَيْهَا كالإناء المكفوف.
          فَصْلٌ: قال المهلَّب: وفي وصفِه لمحاسنها حجَّةٌ لمن أجاز بيعَ الأعيان الغائبة على الصِّفة، كما قاله مالكٌ خِلافًا للشَّافعيِّ، ولو لم تكن الصِّفة فيه بمعنى الرُّؤية لم ينهَ عن الدُّخول عليهنَّ، وقد سلفت في البُيوع.
          فَصْلٌ: قوله: (لاَ يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُنَّ) وفي لفظٍ: ((لَا يَدخُلَنَّ هذا عَليكُم))، وفي لفظ: ((هؤلاء))، وقال بعضهم: لم يُنكِر دخوله قبل أن يسمع ذلك منه، وإن كان حُرًّا، ويحمل نهيُه على الكراهة لأنَّه لم يسمع منه ما يدلُّ على أنَّه أراد ذلك لنفسه، وإنَّما كره دخولَه بالكلام في مِثل ذلك. وكرهه مالكٌ إذا كان حُرًّا ما لم تكن ضرورةٌ تدعو إليه، وعُورض قولُه هذا بإجازته دخولَ الخَصِيِّ وإن لم يكن لها، ولم تكن لها ضرورةٌ تدعو إليها، ودخول الخَصِيِّ الحرِّ أخفُّ مِن العبد الفَحْلِ.