التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها

          ░85▒ (بَابُ إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا)
          5193- ذكرَ فيه حديثَ أبي هريرةَ ☺ السالفَ في بدْءِ الخَلْقِ [خ¦3237] عن النَّبيِّ صلعم: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ).
          5194- وحديثَه أيضًا: (إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ)، وأخرجَه مسلِمٌ أيضًا.
          الشرحُ: في الأوَّلِ (ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ) وهو محمَّدُ بن أبي عَدِيٍّ، إبراهيمُ أبو عَمْرٍو، وفيه (سُلَيمَان) وهو الأعمش، (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) وهو سَلْمانُ، ورَواه في الثَّاني عنْ أبي هريرةَ ☺ زُرَارةُ بنُ أوفَى أبُو حَاجِبٍ العَامِرِيُّ الحَرَشيُّ قاضِي البصرةَ، ماتَ وهُو ساجدٌ سنةَ ستٍ أو ثمانٍ ومئةٍ.
          وفي لفظٍ: ((مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا))، وهو يوجبُ أنَّ منعَ الحقوقِ كلِّها مَالًا وبدنًا ممَّا يوجبُ سخطَ الرَّبِّ جلَّ جلالُه إلَّا أنْ يتغمَّدَهَا بعفوهِ، فالزَّوجُ إنَّما بذلَ العِوضَ عن الاستمتاعِ، فإذا مَنعَتْ فقدْ ظلمتْهُ والظَّالمُ ملعونٌ، قالَ تعالى: {أَلَا أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18].
          وفيه: جوازُ لعنِ العاصِي المسلم إذا كانَ على وجهِ الإرهابِ عليه لئلَّا يواقعَ الفعلَ، فإذا واقعَه يُدعَا لَه بالتوبةِ والهدايةِ، وفيه أنَّ الملائكةَ تدعُو على أهلِ المعاصِي ما داموا في المعصية، وذلكَ يدلُّ أنَّهم يَدْعونَ لأهلِ الطَّاعةِ مَا دامُوا فيها.
          فَصْلٌ: جاءَ نحو ما ذكرَه البخاريُّ أحاديث:
          منهَا: حديثُ جابرٍ رفعَه: ((ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللهُ لهُم صلاةً، ولَا يَرْفَعُ لهُم إلى السَّماءِ حَسَنةً، العَبْدُ الآبِقُ حتَّى يرجِعُ إلى مَوَالِيه، والمرأةُ السَّاخِطُ عليها زوجُهَا حتَّى يرضَى، والسَّكرانُ حتَّى يصحُو))، أخرجَه ابنُ عَدِيٍّ، وأخرجَه التِّرمذيُّ مِن حديثِ أنسٍ: لعنَ رسولُ الله صلعم ثلاثةً: امرأةً باتتْ وزوجُهَا عليها ساخطٌ... الحديثَ، وإسنادُه ضعيفٌ.
          وحديثُ أبي أُمامةَ مرفوعًا: ((لا تُجاوزُ صلاتُهم آذانَهُم: امرأةٌ باتتْ وزوجُهَا عليها ساخطٌ...)) الحديثَ، ثمَّ قالَ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
          ومنها حديثُ العلاءِ بن عبدِ الرَّحمنِ، عنْ أبيه، عنْ أبي هريرةَ ☺: لعنَ رسولُ الله صلعم المُسَوِّفةَ والمُعِلَّةَ، أمَّا المُسوِّفةَ فهيَ الَّتي إذا أرادهَا زوجها قالتْ: سوفَ / وسوفَ، والمعلَّة _وفي لفظٍ المُفَسِّلَةَ_ هيَ الَّتي إذا أرادَها زوجُهَا قالتْ: إنِّي حائضٌ، وليستْ بحائضٍ. أخرجَه ابنُ الجوزيِّ في كتابِ «النِّساءِ» منْ حديثِ يحيى بن العلاءِ، عنِ العلاءِ به، والطَّبرانيُّ في كتابِ «العِشرة»، ويحيَى هذا ضعيفٌ، وأخرجَه ابن عَدِيٍّ بلفظٍ: ((إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ فَلا تَمْنَعْهُ نَفْسَهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى رَأْسِ تَنُّورٍ أَوْ ظَهْرِ قَتَبٍ)).
          ومنها حديثُ أمِّ سَلَمَةَ رَفعتْهُ: ((أيُّما امرأةٍ ماتَتْ وزوجُهَا عنهَا راضٍ دخلَتِ الجنَّةَ)) أخرجَه التِّرمذيُّ وقالَ: حسنٌ غريبٌ.
          ومنها حديثُ الزُّبيرِ بن عَدِيٍّ عنْ أنسٍ يَرْفعُه: ((إذَا صلَّتِ المرأةُ خمسَها، وصامَتْ شهرَهَا، وأطاعَتْ زوجَهَا، وحفِظَتْ فَرْجَهَا دخلَتِ الجنَّةَ)) أخرجَه ابنُ الجوزيِّ لَه أيضًا، ولَهُ مِن حديثِ أيُّوبَ بنِ عُتْبةَ ومحمُّدِ بن جابرٍ _عندَ ابنِ عَدِيِّ_ عنْ قيسِ بن طَلْقٍ عنْ أبيه يرفعُه: ((لا تمنعُ المرأةُ زوجَهَا حاجتَهُ وإنْ كانتْ على ظهرِ قَتَبٍ))، وفي لفظٍ: ((وإنْ كانتْ على رأسِ تنُّورٍ)).
          وله مِن حديث محمَّدِ بن طَلْحةَ، عن الحكمِ بن عَمْرٍو، عن ضِرَارِ بن عَمْرٍو، عن أبي عبدِ الله الشَّاميِّ، عن تميمٍ الدَّاريِّ مرفوعًا: ((حقُ الزَّوجِ على زوجتِه أن تُطيعَ أمرَه، وأن تبرَّ قَسَمَه، ولا تهجُرَ فراشَه، وأنْ لا تخرُجَ إلَّا بإذنِه، وألَّا تُدخِلَ عليه ما يكرَه))، ولابن أبي شَيْبةَ مِن حديثِ ليثٍ، عن عبد الملك عن عطاءٍ عن ابن عُمَرَ ☻: جاءتْ امرأةٌ إلى رسولِ الله صلعم فقالتْ: يا رسولَ الله، ما حقُّ الزَّوجِ على المرأةِ؟ قالَ: ((لا تَمنَعُه نفسَها وإنْ كانتْ على ظهرِ قَتَبٍ))، ورواه أيضًا ليثٌ عن عطاءٍ عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا.
          وقالَ ابنُ أبي حاتمٍ: سألتُ أبي عن حديث جعفرِ بن مَيْسرَةٍ، عن أبيه، عن ابن عُمرَ ☻: أنَّ رسولَ الله صلعم لَعَنَ المُسوِّفات؛ الرجلُ يدعو امرأتَه إلى فراشِه فتقولُ: سوفَ، سوفَ، حتَّى تغلبَهُ عيناهُ. وبه: ((لا يحِلُّ لامرأةٍ تُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ تبيتَ ليلةً حتَّى تعرِضَ نفسَها على زوجِهَا)) قيلَ: وما عرضُهَا نفسَها؟ قال: ((إذا نَزَعَتْ ثيابهَا وألزقَتْ جِلْدهَا بجِلْدِه فقدْ عَرَضَتْ نفسَها عليه))، فقالَ: هذان الحديثانِ باطلان.
          ولابن أبي شَيْبةَ مِن حديثِ المِنْهالِ، عن عبد الله بن الحارثِ أنَّه قالَ: ((ثلاثةٌ لا تجاوزُ صلاةُ أحدِهِم رأسَه: إمامُ قومٍ همْ له كارهون، وامرأةٌ تَعصي زوجَهَا، وعبدٌ آبقٌ مِن سيِّدِه))، وقالَ عَمْرُو بن الحارثِ المُصْطَلِقيُّ: كانَ يقالُ: أشدُّ النَّاس عذابًا اثنانِ: امرأةٌ تعصي زوجَهَا، وإمامُ قومٍ همْ لَه كارهون.
          وفي البابِ غير ذلك مِن الأحاديثِ: منها عن ابن عُمرَ مرفوعًا أخَّرجه ابنُ أبي الدُّنيا، ومنها عنْ ابن مسعودٍ أخرجَهُ أبو بكرٍ جَعْفرٌ الفِرْيَابيِّ في كتابِ «النِّكاحِ»، ومنها عن أبي أيُّوبَ مرفوعًا، أخرجَه القُرْطبيُّ في «تذكرتِه» بلفظ: ((إنَّ طالبَ العلمِ، والمرأةَ المطيعةَ لزوجِها، والولدَ البارَّ لوالدَيه، يدخلونَ الجنَّةَ بغيرِ حسابٍ)).