التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لزوجك عليك حق

          ░89▒ (بَابٌ: لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ.
          قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ ☺: عَنِ النَّبِيِّ صلعم). /
          5199- ثمَّ ساقَ حديثَ عَمْرِو بن العاصِي ☺ السَّالف في الصَّوم [خ¦1974]: (وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا).
          وتعليقُ أبي جُحَيْفَةَ أخرجَه البزَّارُ: عنْ بُنْدَار، حدَّثنا جَعْفر بن عَونٍ، عنْ أبي العُمَيْسِ _وهو عُتْبةُ بن عبدِ الله بنِ عُتبةَ بن مسعودٍ_ عن عَونِ بنِ أبي جُحَيْفةَ، عنْ أبيه: أنَّ سَلْمَانَ قالَ لأبي الدَّرداءَ: إنَّ لجسَدِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لأهلِكَ عليكَ حقًّا، فأعطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه، فأخبرَ أبو الدَّرداءِ بذلكَ رسولَ الله صلعم، فقالَ لَه النَّبيُّ صلعم مِثْلَ مَا قالَ سَلْمانُ، ولمَّا ذكرَ البخاريُّ ☼ في البابِ السَّالفِ حقَّ الزَّوجِ على المرأةِ ترجمَ حقَّها عليه، وأنَّه لا ينبغي أنْ يُجحِفَ نفسَه في العِبادةِ حتَّى يضعُفَ عنِ القيامِ بحقِّ أهلِه مِن جِماعِها والكَسْبِ علَيها.
          واختلفَ العلماءُ في الرَّجلِ يشتغلُ بالعبادةِ عنْ حقوقِ أهلِه، فقالَ مالكٌ: إذا كفَّ عن جماعِ أهلِه منْ غيرِ ضرورةٍ لا يُتركُ حتَّى يُجَامِعَ أو يُفَارِقَ على ما أحبَّ أو كَرِه لأنَّه يُضَارُّها، ونحوه لأحمدَ، وقالَ أبو حنيفةَ وأصحابه: يؤمرُ أنْ يبيتَ عندَها وينظرَ لها، وقالَ الشَّافعيُّ: لا يُفرَضُ عليه مِنَ الجماعِ شيءٌ، وإنَّما يَفرِضُ لها النَّفقةَ والكِسوةَ والسُّكنى، وأنْ يَأوِيَ إليها، وقالَ الثَّوريُّ: إذا شَكَتِ المرأةُ أنَّه لا يأتيها زوجُها فلَه ثلاثةُ أيَّامٍ ولهَا يومٌ وليلةٌ، وبه قالَ أبو ثورٍ، قالَ ابن المنذرِ: كأنَّ سُفْيانَ قاسَه على ما أباحَ الله له مِن اتِّخاذِ أربعِ نِسوةٍ، وروى عبدُ الرَّزَّاقِ: عنِ الثَّوريِّ، عن مالكِ بن مِغْوَلٍ، عن الشَّعبيِّ قالَ: جاءت امرأةٌ إلى عُمَرَ فقالتْ: يا أميرَ المؤمنينَ، زوجي خيرُ النَّاسِ يصومُ النَّهارَ ويقومُ اللَّيلَ، فقالَ عُمَرُ: لقدْ أحسنتِ الثَّناءَ على زوجِكِ، فقالَ كعبُ بنُ سُوْرٍ: لقدْ اشتكَت فأعرضَتِ الشَّكيَّةَ، فقالَ عمرُ: اخرجْ من مقالتِكَ، فقالَ: أرى أنْ ينزلَ منزلةَ الرَّجلِ له أربعُ نسوةٍ، له ثلاثةُ أيَّامٍ وليالِيهَا ولها يومٌ وليلةٌ.
          وروى ابنُ عُيينَةَ، عن زكريَّا، عن الشَّعبيِّ: أنَّ عُمرَ قالَ لكعبٍ: فإذا فهمتَ ذلكَ فاقضِ بينهُما، فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، أحلَّ اللهُ مِنَ النِّساءِ مَثْنَى وثلاثَ ورُبَاعَ، فلها مِنْ كلِّ أربعةِ أيَّامٍ يومٌ يفطرُ ويقيمُ عندَها، ولها منْ كلِّ أربعِ ليالٍ ليلةٌ يبيتُ عندَها، فأمرَ عمرُ الزَّوجَ بذلك، وأغربَ ابنُ حزمٍ فأوجبَه في كلِّ طُهرٍ، حيثُ قالَ: وفرضٌ على الرَّجلِ أنْ يُجَامعَ امرأتَهُ الَّتي هيَ زوجتُه، وأدنى ذلكَ مرَّةً كلَّ طُهْرٍ إنْ قَدِرَ على ذلكَ، وإلَّا فهو عاصٍ لله؛ برهانُ ذلكَ قولُه تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة:222]. ورُوِّينا أنَّ امرأةً شابَّةً قالتْ لعُمرَ: يا أميرَ المؤمنينَ، إنِّي امرأةٌ أحبُّ ما تحبُّ النِّساءَ مِنَ الولدِ، وليَ زوجٌ شيخٌ، قالَ: فمَا بَرِحَ إذْ جَاءَ زوجُها شيخٌ كبيرٌ، فقالَ له عمرُ: أتقيمُ لها طُهْرَهَا؟ قالَ: نعم، قالَ: انطلقِي معَ زوجكِ، واللهِ إنَّ فيه ما يُجِزئُ _أو قالَ: يُغنِي_ المسألة. قالَ ابنُ حزمٍ: ويجبرُ على ذلكَ مَنْ أبى بالأدبِ لأنَّه أتَى منكرًا مِنَ العملِ.
          قلتُ: في «الْمِزَاحِ وَ الْفُكَاهَةِ» للزُّبير مِن حديث مالكٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن محمَّد بن يحيى بن حيَّان: قلتُ لامرأتي: أنا وأنتِ على قضاء عُمَر، قالت: وما هو؟ قلت: قضى أنَّه إذا أصاب الرَّجلُ امرأتَهُ عند كلِّ طُهْرٍ فقد أدَّى حقَّها، فقالت: أنا أوَّلُ مَن ردَّ قضاءَ عمر.
          وروى أبو نُعَيمٍ في «طِبِّه» مِن حديث أبي إسحاقَ، عن هانئ بن هانئٍ: أنَّ امرأةً شَكَتْ زوجَها إلى عليٍّ، فقال له عليٌّ: أتستطيعُ أن تصنعَ شيئًا؟ قال: لا، قال: ولا مِن السَّحَرِ؟ فقال:لا، قال: هلكتَ، أمَّا أنا فلا أُفرِّقُ بينكما، فاتَّقي الله واصبري. ومِن حديث بَقِيَّةَ عن بُكَير بن فَيْرُوزَ، عن أبي هُرَيرةَ يَرْفَعُهُ: ((أيَعْجِزُ أحدُكُم أن يُجامعَ أهلَهُ كلَّ يوم جُمُعةٍ؛ فإنَّ له أجْرَين: أجرُ غُسْلِه، وأجرُ غُسْلِ امرأَتِهِ)).