التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها وكيف يقسم ذلك؟

          ░98▒ (بَابُ الْمَرْأَةِ تَهَبُ يَوْمَهَا مِنْ زَوْجِهَا لِضَرَّتِهَا، وَكَيْفَ يَقْسِمُ ذَلِكَ؟)
          5212- ذكر فيه حديثَ عَائِشَةَ ♦: / (أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَة، وَكَانَ النَّبِيُّ صلعم يَقْسِمُ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ).
          هذا الحديث سلف في المظالم عنها [خ¦2450] في تفسير {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} الآية [النساء:128]، وكذا في التَّفسير، في سورة النِّساء [خ¦4601].
          ويريد بقوله: (وَكَيْفَ يَقْسِمُ ذَلِكَ) أن تكونَ فيه الموهوبة بمنزلة الواهبة في رُتْبة القسمة، فإن كان يوم سَوْدَةَ تاليًا ليوم عَائِشَة أو رابعًا أو خامسًا استحقَّته عَائِشَة على حسب القِسْمة الَّتي كانت لسَوَدة، ولا تتأخَّرُ عن ذلك اليوم ولا تتقدَّمُ، ولا يكون تاليًا ليوم عَائِشَة إلَّا أن يكون يوم سَوَدَة بعد يوم عَائِشَة، قال المهلَّب: وأجراه النَّبيُّ صلعم مجرى الحقوق الواجبة، ولم يُجرِه على أصلِ المسْألةِ مِن الحكم ممَّا جعل الله له مِن ذلك، لقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب:51] فأجراه مجرى الحقوق، وتفضُّلًا منه ◙ ليكون أبلَغَ في رضاهنَّ كما قال تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب:51]، أي لا يَحْزنَّ إذا كان هذا منزلًا عليك مِن الله، ويَرْضَينَ بما أعطيتهنَّ مِن تقريبٍ وإرجاءٍ.
          وقال قَتَادَةُ في قوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} الآية [الأحزاب:51]، قال: هذا شيءٌ خصَّ الله به نبيَّهُ وليس لأحدٍ غيرُه، كان يدعُ المرأةَ مِن نسائِهِ ما بدا له بغير طلاقٍ، وإذا شاء راجعَها. قال غيره: وكان ممَّن آوى إليه عَائِشَةُ وأمُّ سلمة وزينبُ وحفصَةُ، وكان قَسْمه مِن نفسه وماله فيهنَّ سواءٌ، وكان ممَّن أرجى: سَودةُ وجُوَيْرِيَة وصفيَّةُ وأمُّ حبيبة ومَيْمُونة، وكان يقسِمُ لهنَّ ما شاء.
          واختلفوا في كم يَقْسِم لكلِّ واحدةٍ مِن نسائه، فقال ابن القاسم: لم أسمع مالكًا يقول إلَّا يومًا لهذِه ويومًا لهذه، وقال الشَّافعيُّ: إن أرادَ أن يقسِمَ ليلتين ليلتين وثلاثًا ثلاثًا كان له ذلك، وأكرَه مجاوزةَ الثَّلاث مِن العدد، وهو الأصحُّ مِن مذهبه. قال ابن المُنذرِ: ولا أرى مجاوزة يومٍ إذ لا حجَّة مع مَن تخطَّى سنَّة رسول الله صلعم إلى غيرها، أَلَا ترى قولَه في الحديث: أنَّ سَوْدَةَ وَهَبَت يومَها لعَائِشَة، ولم يُحفظ عن رسول الله صلعم في قِسْمته لأزواجه أكثرَ مِن يومٍ وليلةٍ، ولو جاز ثلاثةً لجاز خمسةً وشهرًا، ثُمَّ يتخطَّى بالقول إلى ما لا نهاية له، ولا يجوز معارضة السُّنَّة.
          وكان مالكٌ يقول: لا بأس أن يقيم الرَّجل عند أمِّ ولده اليوم واليومين والثَّلاثة، ولا يُقيم عند الحرَّة إلَّا يومًا مِن غير أن يكون مُضارًّا بها، وكذلك قال الشَّافعيُّ: يأتي الإماءَ ما شاء أكثرَ ممَّا يأتي الحرائرَ الأيَّام واللَّيالي، فإذا صار إلى الحرائر عَدَل بينهنَ.