التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب التزويج على القرآن وبغير صداق

          ░50▒ (بَابُ: التَّزْوِيجِ عَلَى القُرْآنِ وَبَغِيْرِ صَدَاقٍ).
          5149- ذكر فيه حديث سهل بن سعدٍ.
          ░51▒ (بَابُ: المَهْرِ بِالْعُرُوضِ وَخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ).
          5150- ثُمَّ ذكر حديثَ سهلٍ أنَّه ◙ قَالَ لِرَجُلٍ: (تَزَوَّجْ وَلَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ).
          وقد اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، فذهب قومٌ إلى أنَّ النِّكاح عَلَى سُوَرٍ مِنَ القرآن مسمَّاةٍ جائزٌ، وقالوا: معنى ذَلِكَ أن يعلِّمها تلك السُّوَر، وهذا قول الشَّافعيِّ، وقال آخرون: لا يكون تعليم القرآن مهرًا، هذا قول مالكٍ واللَّيث وأبي حنيفة وأصحابه والمُزَنيِّ، إلَّا أنَّ أبا حنيفة قَالَ: إذا تزوَّج عَلَى ذَلِكَ فالنِّكاح جائزٌ، وهو في حكم مَنْ لم يُسمَّ لها مهرًا، فلها مهر مثلِها إن دخل بها، وإن لم يدخل بها فلها المتعة.
          حجَّة الشَّافعيِّ حديثُ الباب قبلَه دالٌّ عَلَى جواز كون تعليم القرآن أو سورةٍ منه صداقًا، وكما يجوز أخذ الأجرة عليه، وأمَّا الطَّحَاويُّ فإنَّه أجاب بالخصوصيَّة ولا يُسلَّم له، وسبقه إليه اللَّيث، وفيه حديثٌ في «تفسير سعيد بن منصورٍ» وهو مرسلٌ وضعيفٌ، وحديثٌ عند أبي الشَّيخ مِنْ حديث جابرٍ وابن عبَّاسٍ، وفيه العرزمي، وكذا دعوى أنَّه زوَّجها منه عليه لحرمتِه لا عَلَى أنَّه مهرٌ، كما زوَّج أبا طلحة أمَّ سُليمٍ عَلَى إسلامه، أي لإسلامه.
          وأوَّل بعضُهم قوله: (وَلَوْ خاتمًا مِنْ حَدِيدٍ) عَلَى تعجيل شيءٍ يقدِّمه مِنَ الصَّداق وإن كان قليلًا، كقوله: ((بِعْهَا وَلَو بضَفِيرٍ))، يؤيِّده عدوله عن ذمَّته إليه إذ لم تجرِ عادتهم في وقته ◙ في المهور إلَّا بالشَّيء الثَّقيل، وكلُّ هذِه دعاوى.
          ثُمَّ قَالَ الطَّحَاويُّ: والدَّليل عَلَى أنَّه لم يتزوَّجها عَلَى أن يُعلِّمها السُّورة عوضًا مِنْ بضعها أنَّ النِّكاح إذا وقع عَلَى مجهولٍ وكما لم يُسمَّ، فاحتيج إلى كونه معلومًا، كالأثمان والأجرة. وجوابه: أنَّ هذا ليس بمجهولٍ، بل جاء في بعض الرِّوايات أنَّه وقع عَلَى معلومٍ، ثُمَّ ادَّعى بأنَّ الأصلَ المجمع عليه: لو أنَّ رجلًا استأجر رجلًا عَلَى أن يعلِّمه سورةً مِنَ القرآن سمَّاها بِدرهمٍ أنَّ ذَلِكَ لا يجوز، قَالَ: وكذلك لو استأجرَ أن يعلِّمه شعرًا بعينه لم يجز، قَالَ: لأنَّ الإجارات لا تجوز إلَّا عَلَى أحد معنيين، إمَّا عَلَى عملٍ بعينه _كغسل ثوبٍ مثلًا_ أو عَلَى وقتٍ معلومٍ، وإذا استأجره عَلَى تعليم سورة فتلك إجارةٌ لا عَلَى وقتٍ معلومٍ ولا عَلَى عملٍ معلومٍ، وإنَّما استأجرَه عَلَى أن يُعلِّمه، وقد يتعلَّم بقليل التَّعليم وكثيره في قليل الأوقات وكثيرها، وكذلك لو باعه دارَه عَلَى أن يعلِّمه سورةً مِنَ القرآن لم يجز للمعاني المذكورة، وإذا كان التَّعليم لا تملك به المنافع ولا أعيان الأموال ثبت بالنَّظر ألَّا تُملَك به الأبضاع، ولا يُسلَّم ما ذكره.
          وادَّعى ابن العربيِّ أنَّ ذكر الخاتم كان قبل النَّهي عنه بقوله: ((إنَّه حِليةُ أهل النَّار))، فنسخ النَّهي جوازه والطَّلب له، وما أبعد ما ذكره!.
          ودعوى مَنِ ادَّعى أنَّه عَلَى وجه المبالغة كما قَالَ: ((تصدَّقوا ولو بفِرْسِنِ شاةٍ))، أو أنَّه كان يساوي ربع دينارٍ فصاعدًا لقلَّة الصُّنَّاع حينئذٍ بعيدٌ، والحقُّ أحقُّ بالاتِّباع.