التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائه

          ░119▒ (بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِي)
          5242- ذكر فيه حديثَ أبي هُرَيْرَةَ ☺ في قصَّة سُلَيمانَ بن داودَ إلى آخرها.
          وقد سلف في الجِهَاد [خ¦2819]، وتقدَّم معناه في باب: مَن طاف على نسائه بغُسلٍ واحدٍ [خ¦5215]، وأنَّه لا يجوز أن يجمعَ الرَّجلُ جماعَه زوجاته في غُسلٍ واحدٍ، ولا يطوف عليهنَّ في ليلةٍ إلَّا إذا ابتدأ القَسْمَ بينهنَّ، أو أَذِنَّ له في ذلك، أو إذا قَدِم مِن سفرٍ، ولعلَّه لم يكن في شريعة سُلَيمان بن داود ◙ مِن فرْضِ القِسْمةِ بين النِّساء والعدْلِ بينهنَّ ما أخذَه الله على هذه الأُمَّة.
          قال المهلَّب: وقوله: (لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يَحْنَثْ) يعني لم يَخِب ولا عُوقِبَ بالحرمان حين لم يستثنِ مشيئة الله ولم يجعل الأمرَ له، وليس في الحديث يمينٌ فيحنَث منها، وإنَّما أراد أنَّه لمَّا جعل لنفسه القُوَّةَ والفعلَ عاقبه اللهُ تعالى بالحِرْمان، فكان الِحنْث بمعنى: التَّخييب، وكذلك مَن نذرَ لله طاعةً أو دخل في شيءٍ منها وجبَ عليه الوفاء بذلك؛ لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُود} [المائدة:1]، وقولِه تعالى: {فَما رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] فكان مطالبًا بما تألَّى به، فكأنَّه ضَرْبٌ مِن الحِنْث لأنَّه تألَّى فلم يفِ.
          وقد احتجَّ بعضُ الفقهاء بهذا الحديث فقال: إنَّ الاستثناء بعد السُّكوت عن اليمين جائزٌ، بخلاف قول مالكٍ، واحتجُّوا بقوله: (لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يَحْنَثْ)، وليس كما توهَّموه لأنَّ هذه لم تكن يمينًا، وإنَّما كان قولًا جعل الأمر فيه لنفسه، ولم تجب عليه فيه كفارةٌ فسقَطَ عنه الاستثناء، وإنَّما هذا الحديث مثل قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} [الكهف:23-24] أدبًا أدَّبَ اللهُ تعالى به عبادَه ليردُّوا الأمرَ إليه ويبرؤوا مِن الحول والقوَّة إلَّا به، ودلَّ هذا المعنى على صِحَّة قول أهل السُّنَّة أنَّ أفعال العباد مِن الخير والشَّرِّ خلْقُ الله تعالى، وسيأتي في الاعتصام أيضًا.
          وقال ابن التِّين: معنى (لَمْ يَحْنَثْ): لم يُخلف قوله؛ لأنَّ الِحنث أصلُ الخُلْف في اليمين، ويحتمل أن يكون حلفَ على / ذلك.
          وقوله: (لأَطُوفَنَّ) يقال: أطافَ بالإنسان طَائِفٌ مِن جنٍّ أو خيالٍ، وفي الحديث أنَّ الأنبياء أُعطوا مِن القُوى ما لم يُعطَ غيرهم، وفي بعض الرِّوايات: ((لَأَطُوفَنَّ عَلَى سَبعينَ))، وهنا: (مِئَة)، وفي بعضها: ((بألفٍ)) ذكره ابن التِّين.