التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب

          ░87▒ (بَابٌ)
          5196- ذكرَ فيه حديثَ أُسَامَةَ ☺: (عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ).
          الشرح: هذا الحديثِ أخرجَه البخاريُّ مِن حديثَ (إِسْمَاعِيل) هو ابنُ عُلَيَّة: (أَخْبَرَنَا التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامةَ) به، وأخرجَه مسلمٌ في آخرِ الدَّعواتِ، والنَّسائيُّ في عِشْرةِ النَّساءِ والمواعظِ والرِّقاقِ، وأغفلَهَا ابن عَسَاكرَ، ولم يترجمْ عليه البخاريُّ بترجمةٍ، والَّذي يظهرُ أنَّه ساقَه في التَّحذيرِ مِن مخالفةِ الزَّوجِ ممَّا هو حقٌّ له، وقدْ أخبرَ أنَّ عامَّةَ مَن دخلَ النَّارَ النِّساءُ، و(الْجَدِّ) بفتحِ الجيمِ الحظُّ والغِنى، وكذا أبو الأبِ، وكذا العَظَمَةُ، ومنه {جَدُّ رَبِّنَا} [الجن:3]، وكذا الجَدُّ: القَطْعُ، وبالكسِر الاجتهادُ.
          وقولُه: (مَحْبُوسُونَ) كذا هو في الأصولِ بالحاءِ المهملةِ ثمَّ باءٍ مِنَ الحبسِ، وكذا هو عندَ أبي ذرٍّ، وهو ظاهرٌ، وقالَ ابنُ التِّين: كذا هو عندَ الشَّيخِ أبي الحسنِ، ولعلَّه بفتحِ الباءِ والواو اسمُ مفعولٍ مِن احبوس، قالَ أهلُ اللُّغةِ: يقالُ: احبوس بالمكانِ إذا أقامَ به حُبُوسًا مَوْقُوفُون لا يستطيعون الفِرارَ. قالَ الدَّاوديُّ: أرجو أنْ يكونَ المحبوسون أهل التَّفاخُر؛ لأنَّ أفاضلَ هذه الأُمَّةِ كانَ لهم أموالٌ ووَصَفَهم الله بأنَّهم سابقونَ، ثمَّ نُقلَ عنْ نسخةِ أبي ذرٍّ ما قدَّمناه، قالَ: وهو بَيِّنٌ.
          ولمَّا نقلَ ابنُ بطَّالٍ عنِ المٌهلَّبِ أنَّ في الحديثِ: إنَّ أقربَ ما يُدخِل به الجنَّةَ التَّواضعُ لله، وإنَّ أبعدَ الأشياءِ مِنَ الجنَّةِ التَّكبُّر بالمال وغيرِه، وإنَّما صارَ أصحابُ الجَدِّ محبوسونَ لمنعِهِم حقوقَ الله الواجبة للفقراءِ في أموالِهم، فَحُبِسُوا للحسابِ عمَّا مَنَعُوه، فأمَّا مَنْ أدَّى حُقُوقَ الله في مالِه فإنَّه لا يُحبَسُ عنِ الجنَّةِ، إلَّا أنَّهم قليلٌ، إذا كَثُرَ شأنُ المالِ تَضِيعُ الحقوق فيه؛ لأنَّه محنةٌ وفِتنةٌ، أَلَا ترى قولَه: (فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ)، وهذا يدلٌّ أنَ الَّذينَ يؤدُّونَ حُقُوقَ الله في المالِ ويسْلَمونَ مِنْ فِتنتِهِ همُ الأقلُّونَ، وقدْ احتجَّ بهذَا الحديثِ مَنْ فضَّلَ الفَقْرَ على الغنى، وستعرفُ ما فيه في الزُّهدِ إنْ شاءَ الله تعالى.