التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح

          ░32▒ (بَابُ: عَرْضِ المَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ).
          5121- ذكر فيه حديثَ سهل بن سعدٍ ☺ في الواهبة نفسَها، وقد سلف [خ¦5029]، وقال في آخره: (أَمْلَكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ) وفي نسخة: <أَمْلَكْنَاكَهَا>.
          رواه عنه (أَبُو حَازِمٍ) واسمهُ سَلمة بن دينارٍ، مولى الأسود بن سفيان المخزوميِّ، وقيل: مولًى لبني ليثٍ، القاصُّ، مِن عُبَّاد أهل المدينة وزهَّادِهم، مات سنة ثلاثٍ أو خمسٍ وثلاثين ومئةٍ، وقيل: سنة أربعين.
          5120- وذكر فيه أيضًا حديثَ مرحومٍ، وهو العطَّار ابنُ عبد العزيز بن مِهْران البصريُّ مولى آل معاوية بن أبي سفيان: (سَمِعْتُ ثَابِتًا البُنَانِيَّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَكَ بي حَاجَةٌ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَاسَوْءَتَاهْ! وَاسَوْءَتَاهْ! قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صلعم فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا).
          ويأتي في الأدب [خ¦6123]، وأخرجه النَّسَائيُّ هنا وفي التَّفسير أيضًا، وابن ماجه هنا، وهما ظاهران عَلَى ما ترجمَ له، وهو جوازُ عرض المرأة نفسَها عَلَى الرَّجل الصَّالح، وتعريفُها رغبتَها فيه لصلاحه وفضله، أو لعلمِه وشرفِه، أو لخصلةٍ مِنْ خصال الدِّين، وأنَّه لا عار عليها في ذَلِكَ ولا غضاضة، بل ذَلِكَ زائدٌ في فضلِها، لقول أنسٍ لابنته: (هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ).
          وفيه أنَّ الرَّجل الَّذي تعرض المرأةُ نفسَها عليه لا ينكحها، إلَّا إذا وجد في نفسه رغبةً فيها، ولذلك صوَّب الشَّارع النَّظرَ فيها وصعَّده، فلمَّا لم يجد في نفسه رغبةً فيها سكت عن إجابتها، وفيه جواز سكوت العالم ومَنْ سُئل حاجةً، إذا لم يُرِدْ الإسعافَ ولا الإجابة في المسألة، فإنَّ ذَلِكَ أدبٌ في الرَّدِّ بالكلام وألين في صرف / السَّائل، وفيه أنَّ سكوتَ المرأة في الجماعات لازمٌ لها، إذا لم يقم الدَّليل عَلَى أنَّ سكوتها كان لحياءٍ أو لحشمةٍ، لأنَّه كان للمرأة أن تقوَل: يا رسول الله، أنا أرغب فيك، ولا أرغب في غيرِك، وكذلك يجب أنْ يكونَ سكوت كلِّ مَنْ عُقد عليه عقدٌ في جماعةٍ ولم يمنعه مِنَ الإنكار خوفٌ ولا حياءٌ، ولا آفةٌ في سمعٍ ولا فهمٍ أنَّ ذَلِكَ العقد لازمٌ له.
          وفيه دليلٌ عَلَى جواز استمتاع الرَّجل بشورة المرأة، وبما يُشترى لها مِنْ صداقها لقوله: (مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيءٌ) مع علمه بأنَّ النِّصف لها، فلم يمنعه مِنَ الاستمتاع بنصفه الَّذي جوَّز لها وجوَّز له لبسه أجمع، وإنَّما منع مِنْ ذَلِكَ لأنَّه لم يكن له ثوبٌ غيره، فخشي أن تحتاج إليه المرأة فيبقى عاريًا.