التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب خروج النساء لحوائجهن

          ░115▒ (بَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ لِحَوَائِجِهِنَّ)
          5237- ذكر فيه حديثَ عَائِشَةَ: (خَرَجَتْ سَوْدَةُ ♦ لَيْلًا فَرَآهَا عُمَرُ ☺ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: إِنَّكِ وَاللهِ يَا سَوْدَةُ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ وَهْوَ فِي حُجْرَتِي يَتَعَشَّى، وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَعَرْقًا، فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فَرُفِعَ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ أَذِنَ اللهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ).
          هذا الحديث سلف في تفسير سورة الأحزاب [خ¦4795]، وأخرجه مُسْلِمٌ أيضًا، وأسلفنا عن القاضي عِيَاضٍ أنَّ الحِجَاب فُرض على أُمَّهات المؤمنين مِن غير خِلافٍ في الوجه والكفَّين، فلا يجوز لهنَّ كشفُ ذلك لشهادةٍ ولا لغيرها، ولا يجوز لهنَّ إظهار شُخوصِهنَّ وإن كنَّ مُستتراتٍ إلَّا ما دَعَت إليه الضَّرورة، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا...} الآية [الأحزاب:53]، وقد قال عُمَر حين رآها ليلًا بعد الحِجَاب ما سُقناه.
          وأصل (تَخْفَيْنَ) بفتح الفاء وسكون الياء: تَخْفَيِيْنَ، على وزن تعلمين، فاستُثقلت الكسرة تحت الياء فحُذِفت، فاجتمع ساكنان وهما الياءان، فحُذِفت الأولى لأنَّ الثَّانية ضمير المخاطب، فبقيَ (تَخْفَيْنَ) بسكون الياء وفتح الفاء.
          وقولها: (وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَعَرْقًا) قال ابن فارسٍ: العَرْقُ العَظْمُ أخذْتَ لحمَه.
          قال الدَّاوديُّ: حوائجٌ جمع الحاجة، وجمع الحاجة: حَاجَات، وجمع الجمع: حَاجٌ، ولا يقال: حوائجٌ. واعترضه ابنُ التِّين فقال: الَّذي ذكره أهلُ اللُّغة مثل ما في البخاريِّ أنَّ جمع حاجةٍ: حوائجٌ، ودعوى الدَّاوديُّ في أنَّ حَاجٌ جمع الجمع ليس بصحيحٍ، بل هو جمع حاجةٍ، مثل: تمرةٍ وتمرٍ، فحُذِفت الهاء منه علامةً للجمع، وكذلك جاء حاجاتٌ جمع حاجةٍ، مثل: آيةٍ وآياتٍ، وقاعةٍ وقاعاتٍ، وتمرةٍ وتمراتٍ، وكذلك حوائج: جمع حاجةٍ أيضًا. قال الهَرَويُّ: هو جمعٌ على غير قياس الحاجة، قال: وقد قيل: الأصل فيه حائجةٌ، يريد مثل جائحةٍ وجوائحٍ، وفاعلةٍ وقواعدٍ، وهو الباب في الجمع، وكنَّى بالحاجة هنا عن البول والغائط.
          وقال صاحب «المُنْتَهى»: الحاجة فيها لُغَات: حاجةٌ وحَوجاءُ وحَائجةٌ، فجمعُ السَّلامة حاجاتٌ، قال:
تَمُوتُ مَعَ الْمَرْءِ حَاجَاتُهُ                     وَتَبْقَى لَهُ حَاجَةٌ مَا بَقِيَ
          وجمع التكسير: حَاجٌ، مثل: راحة وراح، قال:
وأُرْضِعُ حَاجَةً بِلِبانِ أُخْرَى                     كَذَاكَ الحَاجُ تُرضَعُ بِاللِّبَانِ
          وقال:
أَقِلْنِي عَثرَتِي وَتَلافَ أَمْرِي                     وَهَبْ لِي مِنْكَ عَفوًا واقْضِ حَاجِ
          وقال:
ومُرْسِلٍ ورَسولٍ غَيرِ مُتَّهمٍ                     وحَاجَةٍ غَيرِ مُزْجاةٍ مِنَ الحاجِ
          وجمع حوجاء حِوَاج، مثل: صَحْراء وصِحَار، وتُجمع على حِوَجٍ أيضًا نحو: عوجاء وعوج، قال:
لَعَمرِي لَقَدْ ثَبَّطْتَنِي عَنْ صِحَابَتِي                     وعَنْ حِوَجٍ قِضَّاؤُهَا عَنْ شِقَائِيَا
          وجمع حاجةٍ: حَوَائِج، مثل: جَائِحةٍ وجَوَائِح، وقال بعضهم: هو جمع حاجةٍ، وكان الأصمعيُّ يُنكره ويقول: هو مولَّدٌ وإنما أنكره لخروجه عن القياس في جمع حاجةٍ، وإلَّا فهو كثيرٌ في الكلام، قال:
نَهَارُ الْمَرْءِ أَمْثَلُ حِينَ يَقْضِي                     حَوَائِجَهُ مِنَ اللَّيْلِ الطَّوِيلِ
          ويقال: ما في صدرهِ حَوجاء ولا لَوجاء، ولا شكَّ ولا مِرْيَةَ، بمعنًى واحدٍ، ويقال: في أمرك حُوَيجاء ولا لُوَيجاء، وما لفلانٍ عندنا حاجةً ولا حائجةً ولا حوجا ولا حواشيةً _بالشين والسين_ ولا لماسة ولا لُبَانة ولا إربة ولا إرب، ومأرَبة ومأرُبة ونوأَة وبهجة، وأَشْكَلة وشَاكِلَة وشُكْلَة وشكلًا، كلُّهُ بمعنى واحدٍ.
          فَصْلٌ: فيه دِلالةٌ على خروج النِّساء لكلِّ ما أُبيح لهنَّ الخروجُ فيه مِن زيارةِ الآباء والأمَّهات والمحارم وغيرِ ذلك ممَّا بهنَّ الحاجة إليه، وذلك في حُكم خروجهنَّ إلى المساجد، وفيه منقبةٌ عظيمةٌ لعمر رضي لله عنه، وفيه تنبيهُ أهل الفَضْل على مصالحهم ونُصحِهم، وجواز خروج المرأة بغير إذن زوجها إلى المكانِ المُعتادِ للإذْن العام فيه.