التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب طلب الولد

          ░121▒ (بَابُ طَلَبِ الْوَلَدِ)
          5245- ذكر فيه حديث سيَّارٍ: (عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ ☺ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ صلعم فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ قَطُوفٍ فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ صلعم قَالَ: مَا يُعْجِلُكَ؟ قُلْتُ: إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: فَبِكْرًا تَزَوَّجْتَ أَمْ ثَيِّبًا...) الحديث، إلى أن قال: (وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْكَيْسَ الْكَيْسَ يَا جَابِرُ. يعني الوَلَدَ).
          وبه قال جابِرٌ مرَّةً عن رسول الله صلعم، وفيه: (فَعَلَيْكَ بِالْكَيْسِ الْكَيْسِ. تَابَعَهُ عُبَيدِ اللهِ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم فِي الكَيْسِ).
          الشرح: الحديث سلف في الطَّهارة [خ¦443] وغيرها، ومعنى (قَفَلْنَا): رَجَعنا، والقَطُوفُ تقارُبُ الخَطوِ في سُرعةٍ، وهو ضِدُّ الوَسَاعِ.
          وقوله: (فَبِكْرًا...) إلى آخره، تقديره: أبكرًا تزوَّجت؛ لأنَّ (أَمْ) لا يعطف بها إلَّا بعد همزة الاستفهام، و(تُلاَعِبُهَا) سلف هل هو مِن اللُّعاب أو اللَّعب المعروف.
          ومعنى (تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ): تُصلِحَ مِن شأنها بالحديد، وهو استفعالٌ مِن الحديد، يعني الاستحلاق بها، و(الكَيْسَ) هنا يجري مجرى الحَذَرِ، قاله الخطَّابيُّ، قال: وقد يكون بمعنى الرِّفْق وحُسْن التَّأني. وقال ابنُ الأعرابيِّ: الكَيْسُ العقلُ، كأنَّه جعل طَلَبَ الولدِ عَقْلًا. وقاله ثَعْلَبٌ وأنشد:
وإنَّما الشِّعرُ لُبُّ المَرْءِ يَعْرِضُهُ                     عَلَى المَجَالِسِ إنْ كَيْسًا وإنْ حُمْقًا
          وقيل: أراد الحذرَ مِن العَجْز عن الجِمَاع، ففيه الحثُّ على الجِمَاع.
          فائدةٌ لُغَويةٌ: الكَوْسُ بالسِّين مهملةٌ ومُعْجمَةٌ: الجِمَاع، يقال: كَاسَ الجارِيةَ وكَاسَها وكارسَها وكَاوسَها مكاوسة كواسا وأَكَاسَها، كلُّ ذلك إذا جَامعَها.
          فَصْلٌ: وطلبُ الولد مندوبٌ إليه؛ لقوله ◙: ((إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ))، وأنَّه ((مَن ماتَ مِن ولده ممَّن لم يبلغِ الحِنْثَ فإنَّ الله يدخلُه الجنَّة بفضلِ رحمتِه إيَّاهُم)).
          فإن قلتَ: قولُه: (أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا) أي عِشاءً، يعارض نهيَه أن يَطْرُقَ الرَّجلُ أهلَه ليلًا؟ قلتُ: لا تعارُضَ؛ ففي هذا الحديث أمرَ المسافرَ إذا قدم نهارًا أن يتربَّص حتَّى يدخل على أهله عِشاءً لكي يتقدَّمه إلى أهلهِ خبرُ قُدُومِه فتمتشِطَ له الشَّعثَةُ وتتزيَّنَ وتَسْتَحِدَّ له وتتنظَّف، لئلَّا يَجِدَها على حالةٍ يكرهُها فتقع البغضاءُ، وهذا رِفْقٌ منه بالأُمَّةِ ورغبةٌ في إدامة المودَّةِ بينهما وحُسْن العِشْرة، والحديثُ الآخر إذا قَدِم ليلًا لأنَّ الطُّرُوق لا يكون إلَّا وقت العِشاء لِمَن يقدُمُ فجأةً بعد مُضيِّ وقتٍ مِن اللَّيل، فنهى عن ذلك للعلَّة السَّالفة وهي: خشيةُ أن يتخوَّنَهم ويطلبَ عَثَراتِهم لا سيَّما إذا طالت غَيْبَتُه، فإنَّه يبعُدُ مُراقبتُها وتكون يائسةً مِن رجوعه إليها، فيجد الشَّيطانُ سبيلًا إلى إيقاع سُوء الظَّنِّ.