التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه

          ░86▒ (بَابٌ لَا تَأْذَنُ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ)
          5195- ذكرَ فيه حديثَ شُعَيبِ بن أبي حمزةَ، عَنْ أبي الزِّنادِ عبدِ الله بن ذَكْوَانَ: (عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ. وَرَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ أَيْضًا عَنْ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ فِي الصَّوْمِ).
          وأبوه هُو أبو عُثْمانَ التَّبَّان، مولى المغيرةِ بن شُعْبةَ، استشهدَ به البخاريُّ، وروى لَه في «الأدبِ»، وأخرجَ له أصحابُ السُّننِ خَلَا ابنَ ماجَه، واسمُه سعيدٌ، وقيلَ: عِمْرانُ. وأخرجَه النِّسائيُّ منْ حديثِ يحيى بن سعيدٍ وابن مَهِديٍّ عنِ الثَّوريِّ، ومِن وجهٍ آخرَ عنْ أبي الزِّنادِ، وقدْ سلفَ حُكم صُومِها بغيرِ إذنِه في البابِ الماضِي.
          وأمَّا الإذنُ في بيتِه فلَا تأذنْ فيه لرجلٍ ولا لامرأةٍ يكرهُها زوجُها؛ فإنَّ ذلك يوجبُ سوءَ الظَّنِّ، ويبعثُ على الغَيرةِ الَّتي هي سببُ القطيعةِ، ويشهدُ لهذَا الحديثُ السَّالفُ: ((انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ))، وإنْ كانَ الإذنُ لِلنِّساءِ أخفَّ منَ الإذنِ للرَّجالِ، وقد سلفَ رواية مسلمٍ: ((ولَا تأذنْ في بيتِه وهُو شاهدٌ إلَّا بإذنِه))، ولا يُعَارضُ هذا روايةُ: ((إذا أنفقتِ المرأةُ مِنْ كسبِ زوجِها مِنْ غيرِ أمرِه فلهَا نصفُ أجرِه))، لأنَّ الحديثَ وردَ في المرأةِ إذا تصدَّقتْ مِن مالِ زوجها بغيرِ إذنِه بالمعروفِ، ممَّا يُعلم أنَّه يسمحُ به ولا يتشاحُّ فيه، كما أسلفنَاه في الزكاةِ.
          ومعنى: (يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ) يعني يتأدَّى إليه مِن الأجرِ الصَّدقةِ، مثل ما يؤدَّى إلى المتصدِّقةِ منَ الأجرِ، ويصيران في الأجرِ نِصْفين سواءً، ويشهدُ له قولُه ◙: ((الدَّالُّ على الخَيْرِ كفاعلِه))، وهذا يقتضِي المساواة، قال ابنُ المرابطِ: وهذه النَّفقةُ هي الخارجةُ عنِ المعروفِ الزَّائدِ على العادةِ؛ بدليلِ قِصَّةِ هندٍ بالمعروفِ، وحديثِ: ((إنَّ للخازنِ فيمَا أنفقَ أجرًا، وللزَّوجةِ أجرًا))، يعني بالمعروفِ، وهذا النِّصفُ يجوزُ أنْ يكون الواجبُ لها بالنَّفقة، ويجوزُ أنْ يكون الَّذي أُبِيحَ لهَا أنْ تتصدَّقَ بالمعروفِ.
          وقال الخطَّابيُّ: مَا أنفقتْ على نفسِها من مالِه بغيرِ إذنِه فوقَ ما يجبُ لها غَرِمتْ شطرَه، يعني: قدرَ الزِّيادةِ على الواجبِ لها، قالَ: وذلك أنَّ نفقتَها مُعَاوضةٌ، فهي تتقدَّرُ بمَا يُوَازيها من العِوَضِ، فإنْ جاوزتْ ذلكَ ردَّتِ الفضلَ عنْ مقدارِ الواجبِ.
          وقولُه: ((فلها نِصْفُ أجرِه)) مؤوَّلٌ على أنَّها خَلَطتْ مِن مالِه بالنَّفقة المستحبَّة لها حتَّى كانا شَطْرَينِ، فرغبَ في الإطراحِ عنْ حصَّةِ الصَّدقةِ، وأنْ تَطِيبَ نفسُهُ بها لينقلبَ أجرُها له، وهذا لا يدفع أن تكون غرامةُ زيادةِ ما أنفقتْ لازمة لها إنْ لم تَطِبْ نفسُ الزَّوجِ بها، وقالَ الدَّاوديُّ: مَا أنفقتُ بالمعروفِ ممَّا يجبُ على الزَّوج لها مثل أجره، وقيلَ: إن خَلَطَت نفقتَها بنفقتِه وتصدَّقت مِن ذلك، فلها نصفُ الأجرِ وله نصفُه، وهذا ليس بشيءٍ لأنَّ النَّفقةَ إنَّما للزَّوجِ فيها النِّصف. قالَ ابنُ التِّينِ: والصَّحيحُ قولُ الدَّاوديِّ: وذلكَ أنَّ لهَا أجرَ المناولةِ وأداءَ الواجب الَّذي انتفعَ الزَّوجُ منه.
          ولابنُ الجوزيِّ مِن حديثِ ليثٍ، عنْ عطاءٍ، عن ابن عُمرَ / وابن عبَّاسٍ ♥ يرفعانِه: ((لا تصَّدَّقُ المرأةُ مِن بيتِه بشيءٍ إلَّا بإذنِه، فإنْ فَعَلتْ كانَ له الأجرُ وعليها الوِزْرُ، ولا تصومُ يومًا إلَّا بإذنِه، فإنْ فعلَت أتمَّتْ ولم تؤجَرْ))، وعنْ أبي هُرَيرةَ ☺ أنَّه سُئِلَ: المرأةُ تصَّدَّقٌ مِن مالِ زوجِها؟ قالَ: لا إلَّا مِن قوتهَا، والأجرُ بينهما، وأمَّا مِن مالِه فلَا. وقالَ ابنُ شِهَابٍ: أُذِنَ للمرأةِ أنْ تصَّدَّق مِن بيتِ زوجها باليسيرِ، وقد سلفَ إيضاحُ ذلكَ في الزَّكاةِ.