التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب كفران العشير

          ░88▒ (بَابُ كُفْرَانِ الْعَشِيرِ، وَهُوَ الزَّوْجُ وَهُوَ الْخَلِيطُ، مِنَ المُعَاشَرَةِ.
          فِيهِ أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم).
          وقدْ سلفَ في الحيضِ [خ¦304].
          5197- ثمَّ ساقَ حديثَ ابن عبَّاسِ في الخُسُوف. وفيه: (يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ).
          وقدْ سلفَ في بابِه [خ¦1052]، وبعضُه في الإيمانِ [خ¦29]، وكِلاهما مِن طريقِ مالكٍ.
          5198- ثمَّ ساقَ حديثَ أبي رَجَاءٍ: (عَنْ عِمْرانَ، عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ).
          وهُو بمعنى حديثَ أُسامةَ السَّالف قريبًا، وذكرَه في صِفةِ الجنَّةِ [خ¦3241] والرِّقاقِ [خ¦6449]، وأخرجَه مسلِمٌ والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ.
          وأَبُو رَجَاءٍ اسمُه عِمْرانُ بن مِلْحَانَ، جاهليٌّ أسلمَ يومَ الفتحِ، وكانَ عالمًا عامِلًا مُعمِّرًا نبيلًا مِنَ القُرَّاءِ، وعاشَ مئةً وعشرينَ سنةً، وتوفِّي في خلافةِ عمرَ بن عبد العزيز، وقيل: في سنةَ ثمانٍ ومئةٍ، وقيل: سنةَ سبعَ عشرةَ ومئةٍ. وشيخُ البخاريِّ (عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ) هو أبو عَمْرٍو، وجدُّه جَهْمُ بنُ عيسَى بنِ حسَّانَ بنِ المُنذرِ العَبْديُّ، بَصْريٌّ مؤذِّنٌ بجامعِها، ماتَ سنةَ عشرينَ ومائتين، روى له البخاريُّ وحدَه.
          فَصْلٌ: وسُمِّيَ الزَّوجُ عشيرًا لأنَّه يُعَاشِرهُنَّ، كما سُمِّيَ حَلِيلًا لأنَّه يُحَالِلُها في موضعٍ واحدٍ، وإنَّما اسْتَحْقَيْنَ النَّارَ بِكُفْرهِنَّ العَشِيرَ مِنْ أجلِ أنَّهنَّ يُكْثِرنَ ذلكَ الدَّهرَ كلَّه، أَلَا ترى أنَّه ◙ قدْ فسَّره فقالَ: (لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ) لجازتْ ذلكَ بالكُفرانِ الدَّهرَ كلَّه، فغلبَ استيلاءُ الكُفْرانِ على دهرِهَا، فكأنَّها مُصِرَّةٌ أبدًا على الكفرِ، والإصرارُ أكبرُ أسبابِ النَّارِ.
          وفي الحديثِ: تعظيمُ حَقِّه عليها، ويجبُ عليها شكرُهُ والاعترافُ بفضلِه لسترِه لها وصيانتِها وقيامِه بمُؤنتِها وبذلِه نفسَه في ذلك؛ ومِن أجلِ هذا فضَّلَ الله الرِّجالَ على النِّساءِ في غيرِ موضعٍ مِنْ كتابِه فقالَ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} الآية [النساء:34]، وقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228]، وقدْ أمرَ ◙ مَن أُسديتْ إليه نِعْمةٌ أنْ يشكُرَها، فكيفَ نِعَمُ الزَّوجِ الَّتي لا تنفكُّ المرأةُ منها دهرَها كلَّه، وشكرُ المنعِمِ واجبٌ لقولِه ◙: ((مَنْ أُسدِيَتْ إليه نِعْمةٌ فَلْيَشكُرَها))، وقالَ تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14]، فَقَرَن تعالى شُكرَه بشكرِ الآباءِ، وقد يكونُ شكرُها في نَشْرِها وفي أقلَّ مِنْ ذلكَ، فيجزئ فيه الإقرارُ بالنِّعمةِ والمعرفةُ بقدْرِ الحاجةِ.
          فَصْلٌ: وفيه أنَّ الكُسُوفَ والزَّلازلَ والآياتِ الحادثة إنَّما هي كما قالَ تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59]، وأمرُه ◙ عندَ رؤيتِها بالفَزَعِ إلى الصَّلاةِ دلَّ على أنَّها تَصْرِفُ النِّقمَ وتعصِمُ مِنَ المِحَنِ؛ إذْ هيَ أفضلُ الأعمالِ وأَوْلَى ما أُقبل عليه في البُكرِ والآصالِ.
          فَصْلٌ: وقولُه في الحديثِ: (رَأَيْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَكَعْكَعْتَ) أي رجعتَ وراءَك، وأصله من كَعَّ الرَّجلُ إذا جَبُنَ وانقبضَ عن الشيء، وكَاعَ مِثْلُه، وقالَ ابنُ دُرَيدٍ: لا يُقَال: كاعَ عن الأمرِ، وإنْ كانتِ العامَّةُ تقولُه.