التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن}

          ░25▒ (بَابُ: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:213]. /
          وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الدُّخُولُ وَالْمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الجِمَاعُ، وَمَنْ قَالَ: بَنَاتُ وَلَدِهَا هُنَّ بَنَاتُهَا فِي التَّحْرِيمِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم لأُمِّ حَبِيبَةَ: لاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ. وَكَذَلِكَ حَلاَئِلُ وَلَدِ الأَبْنَاءِ هُنَّ حَلاَئِلُ الأَبْنَاءِ، وَهَلْ تُسَمَّى الرَّبِيبَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِهِ؟ وَدَفَعَ النَّبِيُّ صلعم رَبِيبَةً لَهُ إِلَى مَنْ يَكْفُلُهَا، وَسَمَّى النَّبِيُّ صلعم ابْنَ ابْنَتِهِ ابْنًا).
          5106- ثُمَّ ساق حديثَ أمِّ حبيبة: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ...) الحديث السَّالف [خ¦5101]، وفيه قَالَ: ((بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ)). وفي آخره: (وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ: دُرَّةُ بِنْتُ أمِّ سَلَمَةَ).
          وقد اختلف العلماء في معنى الدُّخول بالأمَّهات، وقد أسلفناه في الباب الَّذي قبله، وأنَّ ابنَ عبَّاسٍ قَالَ: إنَّه الجماع، قَالَ ابن بَطَّالٍ: ولم يقل بهذا أحدٌ مِنَ الفقهاء، واتَّفق الفقهاء أنَّه إذا لمسها بشهوةٍ حرمت عليه أمُّها وابنتها، قلت: لا، فالخلاف فيه للشَّافعيِّ، والأظهر مِنْ مذهبه أنَّه لا تحرم به.
          ثُمَّ اختلفوا في النَّظر، فقال مالكٌ: إذا نظر إلى شعرها أو صدرها أو شيءٍ مِنْ محاسنها للذَّةٍ حرمت عليه أمُّها وابنتها، وقال الكوفيُّون: إذا نظر إلى فرجه للشَّهوة كان بمنزلة اللَّمس للشَّهوة، وقال ابن أبي ليلى: لا تحرم بالنَّظر حتَّى يلمس، قَالَ: وهو قول الشَّافعيِّ، قلت: قد أسلفنا أنَّه خلاف الأظهر في مذهبه، وقد رُوي التَّحريم بالنَّظر عن مسروقٍ، والتَّحريم باللَّمس عن النَّخَعيِّ والقاسم ومجاهدٍ، وأجمع الفقهاء عَلَى أنَّ الرَّبيبة تَحرُم عَلَى زوج أمِّها إذا دخل بالأمِّ وإن لم تكن الرَّبيبة في حَجْره.
          وشذَّ أهل الظَّاهر عن جماعة الفقهاء، وقالوا: لا تحرم عليه الرَّبيبة إلَّا أن تكون في حَجْره، واحتجُّوا بظاهر الآية، قالوا: فتحريمها بشرطين أن تكون في حَجْره وأن تكون أمُّها دُخل بها، فإذا عدم أحدهما لم يوجد التَّحريم لأنَّ الزَّوج إنَّما جُعل مَحْرَمًا لها مِنْ أجل ما يلحق مِنَ المشقَّة في استتارها عنه، وهذا المعنى لا يوجد إلَّا إذا كانت في حَجْره، واحتجُّوا بقوله صلعم: ((لَو لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتي فِي حَجْرِي)) فشرطَ الحجرَ، وروَوا عن عليٍّ إجازةَ ذَلِكَ، أخرجه صالح بن أحمد عن أبيه، وأخرجه أبو عُبيدٍ أيضًا، لكن قالَ ابنُ المُنْذرِ والطَّحَاويُّ: إنَّه غير ثابتٍ عنه، فيه إبراهيم بن عُبيد بن رِفاعة لا يُعرف، وأكثر أهل العلم تلقَّوه بالدَّفع والخلاف، واحتجُّوا في دفعه بقوله: (فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ) فدلَّ ذَلِكَ عَلَى انتفائه، ووهَّاه أبو عُبيدٍ أيضًا وإن تابعه إبراهيم بن مَيْسرة، كما أخرجه عبد الرَّزَّاق.
          ويدفعه قوله: (لاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ) فعمَّهنَّ ولم يقل: اللَّاتي في حَجْري، ولكنَّه سوَّى بينهنَّ في التَّحريم، لكنَّ دعوى ابن المُنْذرِ والطَّحَاويِّ عدم معرفة إبراهيم بن عُبيدٍ غريبٌ، فقد روى عنه جماعةٌ مِنْ أهل العلم: ابنُ إسحاق وابنُ أبي ذئبٍ وغيرهما، ووثَّقه أبو زُرعة وابن حبَّان، وأخرج له مسلمٌ، وصحَّح الحاكم حديثَه في «مستدركه»، وأحسنُ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ في الصَّحابة أبو موسى المدينيُّ، وقال: ذكره فيهم عَبْدانُ.
          وإبراهيم بن مَيسرة ثقةٌ خرَّجوا حديثه، وكان ثقةً مأمونًا فقيهًا، وثَّقه أحمد ويحيى وغيرهما.
          والجواب عن الآية أنَّ هذا القيد جرى عَلَى الغالب فلا مفهوم له، كما في قوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب:50] وكما في وطء الأمِّ بملك اليمين يحرم عليه ابنتها وإن لم تكن في حَجْره.
          فصلٌ: روى أبو قُرَّة في «سننه» مِنْ حديث المثنَّى بن الصَّبَّاح عن عمرو بن شُعيبٍ عن أبيه عن جدِّه مرفوعًا: ((أيُّما رجلٍ نكحَ امرأةً فدخلَ بها، فلا يحلُّ له نكاح ابنتها))، والمثنَّى واهٍ، وفي روايةٍ عن أبيه بمثله وزيادة: ((وإن لم يدخل بها فلينكِحْها))، وروى ابن جُرَيْجٍ: أُخبرت عن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن أن ابن أمِّ الحكم قَالَ: قَالَ رجلٌ: يا رسول الله، إنِّي زنيت بامرأةٍ في الجاهليَّة، أفأنكح ابنتَها؟ قَالَ: ((لَا أَرى ذَلِكَ يصلح لك، أن تنكحَ امرأةً تطَّلع مِنِ ابنتها عَلَى ما تطَّلع عليه منها))، وهو منقطعٌ في موضعين.
          فائدةٌ: أبو سفيان اسمُه صخر بن حرب بن أميَّة بن عبد شمسٍ أخو هاشمٍ والمطَّلب ونوفلٍ أولاد عبد مَناف بن قُصيٍّ، أمُّه صفيَّة بنت حَزْنِ بن بُجَيْر بن الهَزْم بن رُوَيْبَة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صَعْصَعة، عمَّة ميمونة ولبابة أمِّ الفضل ولبابة الصَّغرى، وأمُّ حفيد بنات الحارث بن حَزْنٍ.
          فولد أبو سفيان: حنظلة قُتل يوم بدرٍ كافرًا، ولا عَقِب له، وأُمَّ حَبِيْبَةَ أمَّ المؤمنين، وأمَ حبيبٍ أُمَيمة ولدت أبا سفيان بن حُوَيطبٍ، ثُمَّ خلف عليها صفوان بن أميَّة فولدت له عبد الرَّحْمَن، وأمُّهم جميعًا صفيَّة بنت أبي العاصي بن أميَّة عمَّة عثمان ومروان ومعاوية وعُتبة. وجُوَيْريَةَ تزوَّج بها السَّائب بن أبي حُبَيش بن المطَّلب، ثُمَّ خلف عليها عبد الرَّحْمَن بن الحارث بن أميَّة الأصغر، وأمَّ الحكم ولدت عبدَ الرَّحْمَن بن عبد الله بن عثمانَ الثَّقفيَّ المالكيَّ الَّذي يُقال له: عبد الرَّحْمَن ابن أمِّ الحكم، وأمُّهم جميعًا هندُ بنت عُتبة بن ربيعة بن عبد شمسٍ، ويزيدَ وأمُّه زينب بنت نوفل بن خلف بن فوالة بن جَذِيمة بن علقمة بن فراس بن كِنانة، ومُحمَّدًا وعنبسةَ وأمُّهما عاتكة بنت أبي أُزَيْهِرٍ الدَّوسيِّ، وعَمرًا أُسر يومَ بدرٍ وعُمِّرَ، وصخرةَ تزوَّجها سعيد بن الأخنس الثَّقفيُّ، فولدت له هند، تزوَّجها الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطَّلب، فولدت له عبد الله، وأمُّهم جميعًا صفيَّة بنت أبي عمرو بن أميَّة، وميمونةَ تزوَّجها عروة بن مسعودٍ بن مُعَتِّبٍ الثَّقفيُّ، فولدت له، ثُمَّ خلف عليها المغيرة بن شعبة، وأمُّها لبابة بنت أبي العاصي بن أميَّة، ورَمْلةَ تزوَّجها سعيد بن عثمان بن عفَّان، فولدت له مُحمَّدًا، ثُمَّ خلف عليها عمرو بن سعيد بن العاصي، فقُتل عنها، وأمُّها أُمامة بنت أبي سفيان مِنْ بني الحارث بن عبد مَنَاة بن كِنَانة.