التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب تزويج اليتيمة

          ░43▒ (بَابُ: تَزْوِيجِ اليَتِيمَةِ، لِقَوْلِهِ تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا} [النساء:3]، وإِذَا قَالَ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي فُلاَنَة، فَسَكَتَ سَاعَةً أَوْ قَالَ: مَا مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا، أَوْ لَبِثَ ثُمَّ قَالَ: زَوَّجْتُكَهَا، فَهْوَ جَائِزٌ. فِيهِ سَهْلٌ عَنِ النَّبِيِّ صلعم). /
          5140- ثُمَّ ساق حديثَ عائشة ♦ في: ({وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}...) الحديث بطوله، وقد سلف [خ¦5128].
          ومعنى هذا الباب أنَّ الوليَّ شرطٌ في النِّكاح، لمخاطبة اللهِ الأولياءَ بإنكاح اليتامى إذا خافوا ألَّا يقسطوا فيهنَّ، واحتجَّ أبو حنيفة ومُحمَّد بن الحسن بهذِه الآية في أنَّه يجوز للوليِّ أن يزوِّج مِنْ نفسِه اليتيمة الَّتي لم تبلغ _وقد سلف_ لأنَّ الله تعالى لمَّا عاتب الأولياء أن يزوجهنَّ إذا كنَّ مِنْ أهل المال والجمالِ إلا عَلَى سنَّتهنَّ مِنَ الصَّداق، وعاتبهم عَلَى ترك نكاحهنَّ إذا كنَّ قليلات المال والجمال استحالَ أن يكون ذَلِكَ منه فيما لا يجوز نكاحُه لأنَّه لا يجوز أن يُعاتَب أحدٌ عَلَى ترك ما هو حرامٌ عليه، ألا ترى أنَّه أمر وليَّها أن يقسط لها في صداقها، ولو أراد بذلك بالغًا لما كان لذكره أعلى سنَّتها في الصَّداق معنى، إذ كان له أن يراضيها عَلَى ما تشاء ثُمَّ يتزوَّجها عَلَى ذَلِكَ حالًا.
          قَالَ تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} الآية [النساء:4] فثبت أنَّ الَّذي أُمر أن يبلغ بها أعلى سنَّتها في الصَّداق هي الَّتي لا أمر لها في صداقها المولى عليها، وهي غير بالغٍ، ولا يجوز عند مالكٍ والشَّافعيِّ وجماعةٍ أن تتزوَّج اليتيمة الَّتي لا أب لها قبل البلوغ، ويفسخ النِّكاح عند مالكٍ قبل الدُّخول وبعدَه، سلف الخلاف في باب: تزويج الصِّغار، وكان مِنْ حجَّة مَنْ خالف أبا حنيفة في ذَلِكَ أنَّه قد يكون في اليتامى مَنْ يجوز حدَّ البلوغ وبعده وهي سفيهةٌ لا يجوز بيعها ولا شيءٌ مِنْ أفعالها، فأمر تعالى أولياءهن بالإقساط في الصَّدقات، فلم تدلَّ الآية عَلَى جواز نكاح اليتيمة غير البالغ كما زعم أبو حنيفة، وليس هذا أولى بالتَّأويل ممَّن عارضه، وتأويل الآية في اليتيمة البالغ السَّفيهة.