التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض

          ░105▒ (بَابُ حُبِّ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ)
          5218- ذكر فيه حديثَ عُمَرَ ☺: أَنَّهُ (دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةِ، لاَ يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنَهَا حُبُّ رَسُولِ اللهِ صلعم إِيَّاهَا _يُرِيدُ عَائِشَةَ_ فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَتَبَسَّمَ).
          هذا الحديث سلف قريبًا [خ¦5191].
          وقولُه: (يَا بُنَيَّةِ) كذا هو في الأُصُول، وكذا رواه أبو ذرٍّ، ورُوي: <يَا بُنَي> مرخَّمًا، وتُفتح ياؤه وتُضمُّ.
          وقولُه: (هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُبُّ رَسُولِ اللهِ صلعم) وفي بعض النُّسخ: <أَعْجَبَهَا حُسْنَهَا حُبُّ رَسُولِ اللهِ صلعم> هو بفتح النُّون مِن <حُسْنَهَا>، لأنَّه مفعولٌ مِن أجلهِ، و(حُبُّ) فاعلٌ، تقديرُه: أعجبَها حبُّ رسول الله صلعم إيَّاها؛ لأجل حُسنِها، وقيل: إنَّه مرفوعٌ كالحبِّ، مثل: أعجبني زيدٌ حلمُه عقلُه علمُه. وهو غير صحيحٍ لأنَّ أعجبني زيدٌ حلمُه عقلُه هو بدل اشتمالٍ فزيدٌ مرفوعٌ، والمبدل منه مرفوعٌ مثله، والضَّمير هنا الَّتي مع (أَعْجَبَهَا) منصوبٌ، لا يصحُّ بدل الحسن منه ولا الحبِّ؛ لأنَّهما لا يعقلان فيصحَّ أن يتعجَّبا، ولا يُبدَّل الحبُّ مِن الحُسنِ إلَّا في بدل الغلط، وهو ليس في القرآن ولا في الكلام الفصيح، نبَّه عليه ابن التِّين.
          فَصْلٌ: قال الطَّبريُّ: قوله: (لاَ يَغُرَّنَّكِ...) إلى آخره، يُريد عَائِشَةَ، ففيه دليلٌ على أنَّه لا حرج على مَن كان عندَه جماعةُ نسوةٍ في إيثار بعضِهنَّ في المحبَّة على بعضٍ إذا سوَّى بينهنَّ في القِسمة، ومثلُه الحديثُ السَّالف: ((اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي...)) إلى آخره، فالَّذي سأل ربَّه ألَّا يَلزمَه فيه شيءٌ ما كان لا يملكُه مِن نفسه هو ما جُبِلَت عليه القلوب مِن الميلِ بالمحبَّة إلى مَن هويته، وذلك ممَّا لا سبيل للعباد إلى خِلافه ودفعهِ عنه، وهو المعنى الَّذي أخبرَ عنه تعالى أنّهم لا يطيقونه مِن معاني العدل بين النِّساء، فعلم بذلك أنَّ كلَّ ما كان عارضًا لقلب ابنِ آدمَ مِن شيءٍ مالَ إليه بالمحبَّة والهوى ممَّا لم يَجتلِبْهُ المرءُ إليه باكتسابٍ، ولم يتجاوَزْ به العارض منه في قلبه إلى ما لا يكرهُه اللهُ ولا يرضاه مِن العمل بجوازِه فلا حرج عليه في ذلك، ولا تَبِعَةَ تَلْحَقُهُ فيه فيما بينه وبين الله بسبب ما عُرض له مِن فرض هوًى وصيانة نفسٍ، قال ابنُ حبيبٍ: فلمَّا كان القلبُ لا يُملَكُ ولا يُسْتَطَاع العدلُ فيه وضع اللهُ عن عباده الحَرَجَ في ذلك، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286].
          وحسْبُ الرَّجل أن يُسوِّي بين نسائه في القُوت والإدام واللِّباس على قَدْرها وكفايتها، ويَقسِمَ لها يومًا وليلةً فيَبيت عندها، وسواءً كانت حائضًا أو طاهرًا، ثمَّ لا حرج أن يوسِّعَ على إحداهنَّ دون غيرها مِن صواحباتها بأكثر مِن ذلك مِن مالهِ، فأمَّا المَسِيِسُ فعلى قَدْر نشاطِه إذا لم يكن حبسُه لنفسه عنها إبقاءً لغيرها ممن هي أحبُّ إليه وألصق بقلبه، فذلك لا يحلُّ له أن يفعلَه وهو مِن الميل الَّذي نهى الله عنه، فأمَّا أن يَنشط لهذه في ليلتها ويكَسَل عن هذه في ليلتها فلا حرج عليه في ذلك، وذلك مِن الَّذي يقع في القلب ممَّا لا يَملكهُ العبد.
          فَصْلٌ: قال المهلَّب: وفيه أنَّ الصِّهرَ قد يُعاتب ابنتَه على الإفراط في الغَيرة على زوجها، وَيَنْهَاها عن مُسَاماة مَن هي عند الزَّوج أحظى منها لئلَّا يُحرِجَ ذلك الزَّوجَ ويؤولَ إلى الفُرْقة.