التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: السلطان ولي

          ░40▒ (بَابُ: السُّلْطَانُ وَلِيٌّ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ).
          5135- ثُمَّ ساقَه مِنْ حديث سهل بن سعدٍ باللَّفظ المذكور، وقد سلف [خ¦5132].
          وقام الإجماعُ عَلَى ما ترجمَه وهو أنَّه وليُّ مَنْ لا وليَّ له، وأجمعوا أيضًا عَلَى أنَّه يزوِّج المرأةَ إذا أرادت النِّكاح ودعت إلى كفؤٍ وامتنع الوليُّ أن يزوِّجها.
          واختلفوا إذا غاب عن البِكر أبوها وعَمِيَ خبرُه وضربت فيه الآجال؛ مَنْ يزوِّجها؟ فقال أبو حنيفة ومالكٌ: يزوِّجها أخوها بإذنها، وقال الشَّافعيُّ: يزوِّجها السُّلطان دون باقي الأولياء، وكذلك الثَّيِّب إذا غاب أقرب أوليائها.
          حجَّة الأوَّلين أنَّ الأخ عَصَبةٌ يجوز أن يزوِّجها بإذنٍ مع عدم أبيها بالموت لتعذُّر التَّزويج مِنْ قِبَله، وكذا مع حياته إذا تعذَّر التَّزويج مِنْ جهته، دليل ذَلِكَ أنَّ فسق الأب وجنونه ينقل الولاية إلى غيره، ألا ترى أنَّ الأب إذا مات كان الأخ أولى مِنَ السُّلطان؟ واحتجَّ الشَّافعيُّ بأنَّ السُّلطان يستوفي لها حقوقها وينظر في مالها إذا فُقد أبوها، فلذلك هو أحقُّ بالتَّزويج مِنْ أخيها.
          واختلفوا في الوليِّ مَنْ هو؟ فقال مالكٌ واللَّيث والثَّوْريُّ والشَّافعيُّ: هو العَصَبة الَّذي يرث دون الخال والجدِّ للأمِّ والأخ، عند مالكٍ في النِّكاح وكذا عندنا، وقال مُحمَّد بن الحسن: كلُّ مَنْ لزمَه اسمُ وليّ فهو وليٌّ يزوِّج، وبه قَالَ أبو ثورٍ.
          حجَّة الأوَّل أنَّ الوَلاء لمَّا كان مستحقًّا بالتَّعصيب لم يكن للرَّحِمِمدخلٌ فيه لعدم التَّعصيب، كذلك عقدُ النِّكاح لأنَّ ذَلِكَ لولاية التَّعصيب، قَالَ ابن المُنْذرِ: وقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232] دليلٌ عَلَى أنَّ الأولياء مِنَ العصبة، لأنَّ مَعْقِلًا لمَّا منع أخته مِنَ التَّزويج نزلت فيه هذِه الآية، فتلاها عليه رسول الله صلعم.
          واختلفوا مَنْ أَولى بالنِّكاح الوليُّ أو الوصيُّ؟ فقال ربيعة ومالكٌ والثَّوْريُّ: الوصيُّ أَولى، وقال الشَّافعيُّ: الوليُّ أَولى، ولا ولاية للوصيِّ عَلَى الصَّغير، وهو قول أبي حنيفة وأبي سليمان وأصحابهم.
          حجَّة الأوَّل أنَّ الأب لو جعل / ذَلِكَ إلى رجلٍ بعينه في حياته لم يكن لسائر الأولياء الاعتراض عليه مع بقاء الأب، فكذلك بعد موته، إلَّا أنَّ مالكًا قَالَ: لا يزوِّج الوصيُّ اليتيمة قبل البلوغ إلَّا أن يكون أبوها أوصى إليه أن يزوِّجها قبل البلوغ مِنْ رجلٍ بعينه، فيجوز وينقطع عنها ما لها مِنَ المشورة عند بلوغها، وذكر ابن القَصَّار أنَّ مِنْ أصحابنا مَنْ قَالَ: إنَّ الموصي إذا قَالَ: زوِّج بناتي مَنْ رأيت، فإنَّه يقومُ مقامَ الأب في تزويج الصَّغيرة وفي تزويج البكر البالغ بغير إذنها، وهو يتخرَّج عَلَى مذهب مالكٍ، وهو إذا قالت الثَّيِّب لوليِّها: زوِّجني ممَّن رأيت، فزوَّجها ممَّن اختار أو مِنْ نفسه ولم يُعلمها بعين الرَّجل قبل العقد فإنَّه يلزمها.
          وقال ابنُ حَزْمٍ: لا إذنَ للوصيِّ في إنكاحٍ أصلًا لرجلٍ ولا امرأةٍ، صغيرين كانا أو كبيرين، أمَّا الصَّغيران فقد أسلفنا الكلام فيهما، وأنَّ البكرَ لا يزوِّجها إلَّا الأبُ وحدَه، وأمَّا الذَّكر فلا يزوِّجه أحدٌ إلَّا نفسُه، وأمَّا الكبيران فلا يخلو مِنْ أن يكونا مجنونين فلا يُنكحهما أبٌ ولا غيره، أو عاقلين فلا وليَّ عليهما، فإن موَّه مموِّهٌ بخبرِ وكيعٍ عن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَبِيْبة عن جدِّه، قَالَ رسول الله صلعم: ((مَنْ منعَ يتيمًا له النِّكاحَ فزنى فالإثم بينهما))، قلنا: هذا مرسلٌ ولا حجَّة في مرسلٍ، وأيضًا يحيى ضعيفٌ، وليس فيه للوصيِّ ذِكرٌ، وقد يكون أراد سيِّد العشيرة يمنع يتيمًا مِنْ قومه النِّكاح ظلمًا.