التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يحل من النساء وما يحرم

          ░24▒ (بَابُ: مَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ ومَا يَحْرُمُ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ...} الآية إلى قَوْلِهِ: {عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:23-24]، وَقَالَ أَنَسٌ في: {الْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} ذَوَاتُ الأَزْوَاجِ الحَرَائِرُ حَرَامٌ {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24] لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَنزعَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ، وَقَالَ تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ فَهْوَ حَرَامٌ، كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ).
          5105- (وَقَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثني حَبِيبٌ عَنْ سَعِيدٍ بن جُبَيْرٍ عَنِ ابن عبَّاسٍ: حَرُمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية [النساء:23]، وَجَمَعَ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ بنت عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَليٍّ، وَقَالَ ابْنُ سِيْرِينَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَكَرِهَهُ الحَسَنُ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَجَمَعَ الحَسَنُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ ابْنَتَي عَمٍّ فِي لَيْلَةٍ، وَكَرِهَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لِلْقَطِيعَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَيُرْوى عَنْ يَحْيَى الكِنْدِيِّ عَنِ الشَّعْبيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ: إِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَلاَ يَتَزَوَّجْ أُمَّهُ، وَيَحْيَى هذا غَيْرُ مَعْرُوفٍ ولَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِهَا لا تَحْرُم عَلَيْهِ، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَرَّمَهُ، وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ سَمَاعُهُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيُرْوى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الحُصَيْنِ وَجَابِر بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ وَبَعْضِ أَهْلِ العِرَاقِ: تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ تَحْرُمُ عَليه حتَّى يُلْزِقَ بِالأَرْضِ، يَعْنِي: يُجَامِعَ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ المُسَيِّب وَعُرْوَةُ وَالزُّهْريُّ، وَقَالَ الزُّهْريُّ: قَالَ عَلِيٌّ: لاَ تَحْرُمُ، وهذا مُرْسَلٌ).
          الشَّرح: الرِّواية ثابتة عن ابن عبَّاسٍ _كما قال ابن بَطَّالٍ_ أنَّ السَّبع المحرَّمات بالنَّسب المذكورات في الآية إلى قوله: {الْأُخْتِ}، والسَّبع المحرَّمات بالصِّهر والرَّضاع: الأمَّهات مِنَ الرَّضاعة والأخوات منها وأمَّهات النِّساء والرَّبائب وحلائلُ الأبناء والجمع بين الأختين، والسَّابعة: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:22].
          والأمَّهات: المراد به الوالدات ومَنْ فوقهنَّ مِنَ الجدَّات مِنَ قِبَل الأمَّهات والآباء، والبناتُ: المراد به بنات الأصلاب ومَنْ أسفلَ منهنَّ مِنْ بنات الأبناء والبنات وإن سَفَلْنَ، والأخواتُ: المراد الأشقَّاءُ وغيرهنَّ مِنَ الآباء والأمَّهات، والعمَّات: المرادُ أخواتُ الآباء مِنَ الآباء والأمَّهات ومِنَ الآباء أو مِنَ الأمَّهات، وكذلك أخوات الأجداد مِنْ كلِّ واحدةٍ مِنَ الجهات الثَّلاث وإن علون، والمراد بالخالات: أخوات الأمَّهات الوالدات لآبائهنَّ وأمَّهاتهنَّ أو لآبائهنَّ أو لأمَّهاتهنَّ، وأخوات الجدَّات كأخوات الأمَّهات في الحرمة لأنَّه إذا كان لهنَّ حكم الأمَّهات كان أيضًا لأخواتهنَّ حكم أخوات الأمَّهات.
          وبنات الأخ: المراد بناتُ الأخ مِنَ الأب والأمِّ أو مِنَ الأب أو مِنَ الأمِّ، وبنات بنيهم وبنات بناتهنَّ وإن سَفَلْنَ، وبنات الأخت كذلك أيضًا مِنْ أيِّ جهةٍ كُنَّ وأولاد أولادهنَّ وإن سَفَلْنَ، {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:23] هو على الأمِّ المرضعة ومَنْ فوقها مِنْ أمَّهاتها وإن بعدْنَ، وقام ذلك مقام الوالدة ومقام أمَّهاتها، وكذلك حكم الأخوات مِنَ الرَّضاعة حكم اللَّواتي مِنَ النَّسب، وتحرم زوجة الرَّجل على ابنه، دخل بها أو لم يدخل، وعلى أجداده، وعلى ولد ولده الذُّكور والإناث، ولا تحلُّ لبني بنيه، ولا لبني بناته ما تناسلوا لقوله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} الآية [النساء:23].
          وقوله: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:22] ولم يذكر تعالى دخولًا، فصارتا محرَّمتين بالعقد والمُلكِ، والرَّضاعُ في ذلك بمنزلة النَّسب، والمراد بـــ{مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} آباء الآباء وآباء الأمَّهات ومَنْ فوقهم مِنَ الأجداد، وكلُّ هذا مِنَ المُحكَم المتَّفق على تأويله، وغير جائزٍ نكاحُ واحدةٍ منهنَّ بإجماعٍ إلَّا أمَّهات النِّساء اللَّواتي لم يدخل بهنَّ أزواجُهنَّ، فإنَّ بعض السَّلف اختلفوا إذا بانت الابنة قبل الدُّخول بها هل تحرم أمُّها أم لا؟ فذهبَ جمهورُهم إلى التَّحريم، وأنهَّا حرامٌ بالعقد على البنت، ولا تحرم البنت إلَّا بالدُّخول بالأمِّ، وبه قال جميع أئمَّة الفتوى بالأمصار.
          وقالت طائفةٌ مِنَ السَّلف: الأمُّ والرَّبيبةُ سواءٌ لا تُحرَّم منهما واحدةٌ إلَّا بالدُّخول بالأخرى، وتأوَّلوا الآية على غير تأويله فقالوا: المعنى: وأمَّهات نسائكم اللَّاتي دخلتم بهنَّ وربائبكم أيضًا كذلك، وزعموا أنَّ شرط الدُّخول راجعٌ إلى الأمَّهات والرَّبائب جميعًا، روى هذا القول خِلَاسٌ عن عليِّ بن أبي طالبٍ، ورواية عن ابن عبَّاسٍ وزيد بن ثابتٍ، وهو قول ابن الزُّبَير لم يختلف عنهما ولم يقل به أحدٌ مِنْ أئمَّة الفتوى، وحديث خِلَاسٍ عن عليٍّ لا تقوم به حجَّةٌ لأنَّه لا تصحُّ روايته عنه عند أهل العلم بالحديث، وإن كان أثبتها أحمدُ بقوله: كان على شرطة عليٍّ، ذكره العُقَيْليُّ وغيره، والصَّحيح عن ابن عبَّاسٍ مثل قول الجماعة، روى سعيدٌ عن قتادة عن عِكرمة عن ابن عبَّاسٍ في قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء:23] هي مبهمةٌ، لا تحلُّ بالعقد على الابنة.
          وكذلك روى مالكٌ عن يحيى بن سعيدٍ أنَّه قال: سُئل زيد بن ثابتٍ عن رجلٍ تزوَّج امرأةً ثُمَّ فارقها قبل أن يصيبها هل تحلُّ له أمُّها؟ فقال: لا، الأمُّ مبهمةٌ، وإنَّما الشَّرط الرَّبائب. وهذا الصَّحيح عن زيد بن ثابتٍ، قلت: لكنَّ يحيى لم يرَ زيدًا ولم يسمع منه ألبتَّة، والصَّحيح عن زيدٍ هو ما رواه ابن أبي شَيبة عن ابن عُلَيَّة: حَدَّثنا ابن أبي عَروبة عن قتادة عن ابن المُسَيِّب عن زيدٍ: أنَّه كان لا يرى بها بأسًا إذا طلَّقها ويكرهها إذا ماتت عنده.
          وأمَّا ابن المُنْذرِ فلمَّا ذكر عن زيدٍ ما سلف قال: وهذا هو الصَّحيح لدخول جميع أمَّهات النِّساء في الآية، وأيضًا فإنَّ الاستثناء راجعٌ إلى الرَّبائب لأنهَّم أقرب مذكورٍ، ولا يرجع إلى أمَّهات النِّساء، والدَّليل عليه أنَّ العرب تحمل الوصف على أقرب الموصوفين دون أن تحمله على أبعدهما، وإن شرك بينهما فيه، فتقول: هذا جُحر ضبٍّ خَرِبٍ، والضَّبُّ ليس بخربٍ، وإنَّما هو الجحر قصدًا إلى جري الكلام على طريقةٍ واحدةٍ، ولأنَّ الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتُهما واحدًا، لا يجيز / النَّحويون: مررت بنسائك وهربت من نساء زيدٍ الظَّريفات، على أن يكون الظَّريفات نعتًا لهما.
          قال ابن المُنْذرِ: احتجَّ بعضهم في دفع حديث عليٍّ بالحديث السَّالف: (لاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ)، ولم يقل: اللَّاتي في حَجْري، ولكنَّه سوَّى بينهنَّ في التَّحريم، وقد أجمع عوامُّ علماء الأمصار على أنَّ الرَّجل إذا تزوَّج المرأة ثُمَّ طلَّقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حلَّ له تزويج ابنتها، وهو قول مالكٍ ومَنْ تبعه، وأصحابِ الرَّأي ومَنْ وافقهم مِنْ أهل الكوفة، والأوزاعيِّ ومَنْ قال بقوله مِنْ أهل الشَّام، والشَّافعيِّ وأصحابِه وأحمدَ وإسحاقَ وأبو ثورٍ ومَنْ تبعهم مِنْ أهل الحديث، ورُوي عن جابر بن عبد الله وعِمران بن حُصينٍ أنَّهما قالا: إذا طلَّقها قبل أن يدخل بها تزوَّج ابنتها.
          واختلفوا في معنى الدُّخول الَّذي يقعُ به تحريم الرَّبائب، فقالت طائفةٌ: الدُّخولُ الجماعُ، رُوي ذلك عن ابن عبَّاسٍ، وبه قال طاوسٌ وعمرو بن دينارٍ وعبد الكريم، وفيه قولٌ ثانٍ: وهو أنْ يحرِّمَ ذلك التَّفقيس والقعود بين الرِّجلين، هكذا قال عَطاءٌ، وقال حمَّاد بن أبي سليمان: إذا نظر الرَّجل إلى فرج امرأته فلا يحلُّ له أن ينكح أمَّها ولا ابنتها، وقال الأوزاعيُّ: إذا دخل بالأمِّ وعرَّاها أو لمسَها بيده أو أغلق بابًا أو أرخى سترًا فلا يحلُّ له نكاح ابنتها، وسيأتي أيضًا.
          فصلٌ: اختلف أهل التَّأويل في قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:24] فقالت طائفةٌ: المحصنات في هذِه الآية كلُّ أمَةٍ ذات زوجٍ مِنَ المسلمين والمشركين فهنَّ حرامٌ على غير أزواجهنَّ، إلَّا أن تكون مملوكةً اشتراها مشترٍ مِنْ مولاها فتحلُّ له، ويبطل ببيع سيِّدها إياَّها النِّكاحُ بينها وبين زوجها، رُوي هذا القول عن ابن مسعودٍ وأُبيِّ بن كعبٍ وجابرٍ وأنسٍ، وقال: بيع الأمَة طلاقٌ لها، وهو قول النَّخَعيِّ وابن المُسَيِّب والحسن، وقالت أخرى: المحصنات في الآية ذوات الأزواج المستثنيات منهنَّ بملك اليمين هنَّ السَّبايا الَّتي فرَّق بينهنَّ وبين أزواجهنَّ السَّبيُ، فحللن بما صرن له بملك اليمين مِنْ غير طلاقٍ كان مِنْ زوجها، رُوي ذلك عن ابن عبَّاسٍ قال: كلُّ ذات زوجٍ إتيانها زنًا إلَّا ما سُبِيَت، وهو قول زيد بن أسلم ومكحولٍ، وقالوا: إنَّ هذِه الآية نزلت في سبي أَوْطَاسٍ، وقالوا: ليس بيعُ الأَمَةِ طلاقَها، وإنَّ الآية نزلت في السَّبي خاصَّةً، وبهذا قال مالكٌ والكوفيُّون وأحمد وإسحاق وأبو ثورٍ، واحتجُّوا بحديث بَرِيرة، ولو كان بيع الأَمَة طلاقًا ما خُيِّرت.
          قال الطَّحَاويُّ: والقياس يوجب فساد قول مَنْ جعل بيع الأَمَةِ طلاقَها لأنَّها لا فعل للزَّوج في ذلك ولا سبب له، والطَّلاق لا يقع إلَّا مِنَ الأزواج.
          وقال آخرون: المحصنات في الآية وإن كنَّ ذواتِ الأزواج فإنَّه يدخل في ذلك محصنةٌ عفيفةٌ ذات زوجٍ وغيرها مسلمةٌ أو كتابيَّةٌ في أنَّ الله حرَّم الزِّنا، وأباحهنَّ بالنِّكاح أو الملك، رُوي هذا عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ ومجاهدٍ، وهو معنى قول ابن المُسَيِّب، ويرجع ذلك إلى أنَّ الله حرَّم الزِّنا، ومعنى الآية عندهم: إلَّا ما ملكت أيمانكم يعني يملكون عصمتهنَّ بالنِّكاح ويملكون الرَّقبة بالشِّراء، والمراد بانقضاء العدَّة الاستبراءُ بالوضع مِنَ الحامل وبحيضةٍ مِنَ الحائل.
          وفي مسلمٍ مِنْ حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ ☺: أنَّ نبيَّ الله صلعم بعث يومَ حُنَينٍ سريَّةً فأصابوا حيًّا مِنَ العرب يوم أَوْطَاسٍ، فيهم نساءٌ لهنَّ أزواجٌ، فكان ناسٌ مِنَ الصَّحابة تأثَّموا مِنْ غشيانهنَّ مِنْ أجل أزواجهنَّ، فنزلت: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24] فهنَّ حلالٌ لكم، إذا انقضت عدَّتُهنَّ.
          فصلٌ: قول أنسٍ إلى آخره أخرجه ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيدٍ عن التَّيميِّ عن أبي مِجْلَزٍ عنه، قال ابن التِّينِ: وذلك ينزع الرَّجل أَمَته مِنْ عبده، وقيل: هم السَّبايا سُبيا معًا أو متفرِّقين ينفسخ نكاحهما، قال: وهذا المعروف مِنْ مذهب مالكٍ، وقيل: إذا سُبيا معًا فلا فسخ.
          فصلٌ: وقول ابن عبَّاسٍ: (مَا زَادَ...) إلى آخره، أخرجه إسماعيل بن أبي زيادٍ الشَّاميُّ في «تفسيره» عن جُوَيبرٍ عن الضَّحَّاك عنه.
          وقوله: (وَقَالَ لَنَا أَحْمَدُ...) إلى آخره، كأنَّه أخذَه عنه مذاكرةً، وأخرجه البَيْهَقيُّ عن أبي عمرٍو الكاتب حَدَّثنا الإسماعيليُّ حَدَّثنا القاسم بن زكريَّا حَدَّثنا يعقوب حَدَّثنا يحيى بن سعيدٍ به.
          فصلٌ: قوله: (جَمَعَ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ) أخرجه أبو عبيدٍ عن إسماعيل بن عمرٍو، عن ابن أبي ذئبٍ عن مولًى لبني هاشمٍ أنَّ عبد الله بن جعفر بن أبي طالبٍ تزوَّج بنت عليِّ بن أبي طالبٍ وتزوَّج معها ليلى بنت مسعودٍ امرأة عليٍّ، فكانتا عنده جميعًا، وفي حديث ابن لَهيعة عن يونس عن ابن شِهابٍ قال: حَدَّثني غير واحدٍ أنَّ عبد الله بن جعفرٍ جمع بين امرأة عليٍّ وابنته، ثُمَّ ماتت بنتُ عليٍّ فتزوَّج عليها بنتًا له أخرى، قال: وحَدَّثنا قَبِيصة عن سفيان عن مُحمَّد بن عبد الرَّحْمَن عن عبد الرَّحْمَن بن مِهْران قال: جمع ابن جعفرٍ بين بنت عليٍّ وامرأته في ليلةٍ، وعند ابن سعدٍ مِنْ حديث ابن أبي ذئبٍ حَدَّثني عبد الرَّحْمَن بن مِهْران أنَّ عبد الله بن جعفر تزوَّج بنت عليٍّ وتزوَّج معها امرأة عليٍّ ليلى بنت مسعودٍ، وقال ابن سعدٍ: فلمَّا توفِّيت زينب تزوَّج بعدها أمَّ كلثومٍ بنت عليٍّ بنت فاطمة.
          قال ابن بَطَّالٍ: وإنَّما فعل ذلك لأنَّ الابنة كانت مِنْ غير تلك المرأة، وهذا جائزٌ عند الأربعة والثَّوْريِّ والأوزاعيِّ وإسحاق وأبي ثَوْرٍ، لأنَّه إنَّما حرُم على الرَّجل أن يتزوَّج المرأةَ وابنتها، وليس بحرامٍ عليه أن يتزوَّج المرأة وربيبتها لا في كتاب الله ولا في سنَّة رسوله، بل هما داخلان في جملة قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24]، وفي قوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:3]، وقال ابن أبي ليلى: لا يجوز هذا النِّكاح، وكرهه الحسن وعِكرمة، وقال ابن المُنْذرِ: وثبت رجوع الحسن عنه.
          وحجَّة الَّذين كرهوه ولم يجيزوه ما أصَّله العلماء في معنى الجمع بين المرأة وعمَّتها والمرأة وخالتها، قال الشَّعْبيُّ: انظر، فكلُّ امرأتين لو كانت إحداهما رجلًا لم يجز له نكاح الأخرى، ولا يجوز الجمع بينهما، قيل له: عمَّن؟ قال: عن أصحاب مُحمَّدٍ صلعم.
          وقال الثَّوْريُّ: تفسير هذا أن يكون مِنَ النَّسب، وليس بين امرأة الرَّجل وابنته مِنْ غيرها نسبٌ يجمعهما، فلذلك يجوز الجمع بينهما، وعلى هذا التَّفسير جماعة الفقهاء، ولذلك أجاز أكثر العلماء أن ينكح المرأة وينكح ابنة ابنتها مِنْ غيره، وكره ذلك طاوسٌ ومجاهدٌ.
          فصلٌ: قوله: (وَجَمَعَ الحَسَنُ...) إلى آخره، أخرجه أبو عُبيدٍ في كتاب «النِّكاح» تأليفه عن حجَّاجٍ عن ابن جُرَيْجٍ، أخبرني عمرو بن دينارٍ أنَّ الحسن بن مُحمَّدٍ أخبره: أن حسن بن حسن بن عليٍّ بنى في ليلةٍ واحدةٍ ببنت مُحمَّد بن عليٍّ وبنت عمر بن عليٍّ، فجمع بين ابنتي العمِّ، وأنَّ مُحمَّد بن عليٍّ قال: هو أحبُّ إلينا منهما، يعني: ابن الحنفيَّة.
          قال ابن بَطَّالٍ: وكرهه مالكٌ وليس بحرامٍ، وهو قول عطاءٍ وجابر بن زيدٍ وقالا: إنَّما كُره ذلك للقطيعة وفساد ما بينهما، ورخَّص فيه أكثر العلماء، قال ابن المُنْذرِ: ولا أعلم أحدًا أبطل هذا النِّكاح، وهما داخلتان في جملة ما أُبيح بالنِّكاح غير خارجتين منه بكتابٍ ولا سنَّةٍ ولا إجماعٍ، وكذلك معنى الجمع في ابنتي عمَّةٍ وابنتي خالةٍ.
          وفي «المصنَّف» عن عَطاءٍ: يُكره الجمع بينَهما لفساد بينِهما، وكذا ذكره عن الحسن، وحَدَّثنا ابن نُمَيْرٍ عن سفيان، حَدَّثني خالدٌ الفَأْفَأُ عن عيسى بن طلحة قال: نهى رسول الله صلعم أن تُنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة. وفي «علل الخلَّال» عن إسحاق بن عبد الله / بن أبي طلحة عن أبيه قال: كان أصحاب رسول الله صلعم يكرهون الجمع بين القرابة مخافةَ الضَّغائن، قيل: مَنْ كره ذلك منهم؟ فقال: أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ، وهذا حديثٌ مجهولٌ لا أصل له.
          فصلٌ: وقوله: (وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بِهِ...) إلى آخره، أخرجه أبو عُبيد بن سلَّام، حَدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم، حَدَّثنا أيُّوب عن ابن سيرين: أنَّه كان لا يرى بأسًا بذلك، ورواه كذلك عن ابن أبي مريم عن اللَّيث عن بُكَير بن الأَشجِّ عن سليمان بن يسارٍ قال: وكذلك قول سفيان وأهل العراق لا يرَون به بأسًا، ولا أحسبه إلَّا قولَ أهل الحجاز، وكذلك هو عندنا، ولا أعلم أحدًا كرهه إلَّا شيئًا عن الحسن ثُمَّ كأنَّه رجع عنه، قال: وحَدَّثنا ابن عُيَيْنة عن سَلَمة بن عَلْقمة قال: إنِّي لجالسٌ عند الحسن إذ سأله رجلٌ عن ذلك فكرهه، قال: فقال له بعضهم: يا أبا سعيدٍ، هل ترى بينهما شيئًا، فنظر ساعةً ثُمَّ قال: ما أرى بينهما شيئًا، وأجازه أكثر أهل العلم، وفعل ذلك عبد الله بن صفوان بن أميَّة، وأباحه ابن سيرين وسليمان بن يسارٍ والثَّوْريُّ والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ والكوفيُّون وأبو ثَوْرٍ وأبو عُبيدٍ، وقال مالكٌ: لا أعلم ذلك حرامًا، وبه نقول، والإسناد إلى عِكرمة في كراهته فيه مقال.
          وفي «علل الخلَّال» بإسنادٍ جيِّدٍ أنَّ رجلًا مِنَ الصَّحابة يقال له: جبلة مِنْ أهل مصر جمعَ بين امرأة رجل وابنته مِنْ غيرها، قال أبو طالبٍ: قال أبو عبد الله: قد فعل ذلك رجلٌ مِنَ الصَّحابة، وفعله أيضًا ابن جعفرٍ _وإسناده صالحٌ جيِّدٌ_ وعند ابن أبي شيبة، قال أيُّوب: نُبِّئت أنَّ سعدَ بن قرحاء _رجلًا له صحبة_ جمع بينهما.
          فصلٌ: قوله: (وَكَرِهَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لِلْقَطِيعَةِ) هذا أخرجه أبو عُبيدٍ عن يزيد عن حَبيب بن أبي ثابتٍ عن عمرو بن هَرِمٍ عنه.
          فصلٌ: قوله: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ) هذا أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن هشامٍ عن قيس بن سعدٍ عن عَطاءٍ، وحَدَّثنا عبد الصَّمد عن سعيدٍ عن قتادة عن يحيى بن يَعْمَرَ عن ابن عبَّاسٍ به، وعن الزُّهْريِّ كذلك، وقال: لا يحرِّم حرامٌ حلالًا، وكذا قاله ابن أشوع، زاد: جسرتُ عليها، وهابه إبراهيم والشَّعْبيُّ، وقال أيضًا عطاءٌ وقتادة وأكثر العلماء على الإباحة كما نقله ابن بَطَّالٍ، وإنَّما حرَّم الله الجمع بين الأختين بالنِّكاح خاصَّةً لا بالزِّنا، ألا ترى أنَّه يجوز نكاح واحدةٍ بعد أخرى عن الأختين، ولا يجوز ذلك في المرأة وابنتها مِنْ غيره.
          والكوفيُّون على أنَّه إذا زنى بالأمِّ حرُم عليه بنتها، وكذا عكسه، وهو قول الثَّوْريِّ والأوزاعيِّ وأحمد وإسحاق أنَّه تحرم عليه أمُّها وبنتها، وهي رواية ابن القاسم في «المدوَّنة» وقالوا: الحرام يحرِّم الحلال، وخالف فيه ابن عبَّاسٍ وسعيد بن المُسَيِّب وعروة وربيعة واللَّيث، فقال: الحرام لا يحرِّم الحلال، وهو قولٌ في «الموطَّأ»، وبه قال الشَّافعيُّ وأبو ثورٍ، وحجَّة هذا القول: أنَّه لمَّا ارتفعَ الصَّداقُ في الزِّنا ووجوبُ العدَّة والميراثُ ولحوقُ الولد ووجبَ الحدُّ ارتفعَ أن يحكم له بحكم النِّكاح الجائز، ورخَّص أكثرُ العلماء في تزويج المرأة الَّتي زنى بها، وشبَّه ابن عبَّاسٍ ذلك بالَّذي يسرق تمر النَّخلة فيأكلها ثُمَّ يشتريها، وكره ذلك ابن مسعودٍ وعائشة والبراء، وقالوا: لا يزالان زانيين ما اجتمعا.
          فصلٌ: قوله: (وَيُرْوَى عَنْ يَحْيَى الكِنْدِيِّ...) إلى آخره، وفي آخره: (وَيَحْيَى هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ) في كتاب «الثِّقات» لابن حبَّان و«الجرح والتَّعديل» لابن أبي حاتمٍ و«تاريخ البُخاريِّ»: يحيى بن قيسٍ الكِنْديُّ روى عن شُرَيْحٍ، روى عنه أبو عوانة وشَريكٌ والثَّوْريُّ، فيجوز أن يكون هذا.
          وقوله: (وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ...) إلى آخره، وفي روايةٍ: <عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَوْ نَصْرٍ> أبو نصرٍ هذا عرَّفه أبو زُرعة بأنَّه أسديٌّ وأنَّه ثقةٌ، وروى عن ابن عبَّاسٍ أنَّه سأله عن قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2] وهو ظاهرٌ في سماعه منه لا كما قال البُخاريُّ: إنَّه لا يُعرف سماعه منه.
          وقوله: (وَيُرْوَى عَنْ عِمْرَانَ...) إلى آخره، التَّعليق عن عِمران أخرجه ابن أبي شيبة عن عليِّ بن مِسْهرٍ عن سعيدٍ عن قتادة عن الحسن عنه، والتَّعليق عن جابرٍ والحسنِ أخرجه أيضًا عن أبي أسامة عن هشامٍ عن قتادة قال: كان جابر بن زيدٍ والحسن يكرهان أن يمسَّ الرَّجل أمَّ امرأته، يعني في الرَّجل يقع على أمِّ امرأته، قال أبو عُبيدٍ: حَدَّثنا يحيى بن سعيدٍ عن عوفٍ عن الحسن قال: إذا فَجَرَ بأمِّ امرأته أو بابنة امرأته حرمتا عليه، وحَدَّثنا هُشيمٌ أخبرنا يونس عن الحسن في رجلٍ فجر بابنة امرأته قال: يفارق امرأته.
          والتَّعليق عن بعض أهل العراق أخرجه ابن أبي شَيبة أيضًا عن حفصٍ عن ليثٍ عن حمَّادٍ عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعودٍ قال: لا ينظر اللهُ إلى رجلٍ نظر إلى فرج امرأةٍ وابنتها، وحَدَّثنا جريرٌ عن حجَّاجٍ عن أبي هانئٍ الخَوْلانيِّ، قال رسول الله صلعم: ((مَنْ نظرَ إلى فرجِ امرأةٍ لم تحلَّ لهُ أمُّها ولا ابنتُها))، وحَدَّثنا جَريرٌ عن مغيرة عن إبراهيم وعامرٍ في رجلٍ وقع على ابنة امرأته، قال: حرمتا عليه كلتاهما، قال إبراهيم: كانوا يقولون: إذا اطَّلع الرَّجل مِنَ المرأة على ما لا يحلُّ له أو بلمسها بالشَّهوة فقد حرمت عليه وولدها جميعًا، وحَدَّثنا عُبيد الله عن شُعبة: سألت الحكم وحمَّادًا عن رجلٍ زنى بأمِّ امرأته؟ فقالا: أحبُّ إلينا أن يفارقها.
          قال ابن المُنْذرِ: وهو قول عطاءٍ والثَّوْريِّ وأحمد وإسحاق وأصحاب الرَّأي، وكذلك إن وطئ الابنة والأمُّ زوجتُه حرمت عليه، وقالت طائفةٌ: إذا غشي أمَّ امرأته أو ابنة امرأته لم تحرم عليه زوجته، كذلك قال ابن عبَّاسٍ، وبه قال الحسن ومجاهدٌ ويحيى بن يَعْمَر والشَّافعيُّ ومالكٌ وأبو ثَوْرٍ وبه نقول، وذلك أنَّ الصَّداق لمَّا ارتفع في الزِّنا ووجوب العدَّة والميراث ارتفع أن يحكم له بحكم النِّكاح الجائز كما سلف.
          وقال ابن بَطَّالٍ: أمَّا تحريم النِّكاح باللِّواط فإنَّ أصحاب مالكٍ والشَّافعيِّ وأبي حنيفة وغيرهم لا يحرِّمون النِّكاح به، وقال الثَّوْريُّ: إذا لعب بالصَّبيِّ حرمت عليه أمُّه، وهو قول أحمدَ، قال: إذا تلوَّط بابن امرأته أو أبيها أو أخيها حرمت عليه امرأته، وقال الأوزاعيُّ: إذا لاطَ غلامٌ بغلامٍ وولد للمفجور به بنت لم يجز للفاجر أن يتزوَّجها لأَّنها بنت مَنْ قد دخل هو به، وهو قول أحمد.
          فصلٌ: قوله: (وَجَوَّزَهُ ابْنُ المُسَيِّب...) إلى آخره، التَّعليق عن سعيد بن المُسَيِّب رواه ابن أبي شيبة عن ابن عُلَيَّة عن يزيد الرِّشْك عنه، قال الدَّاوُديُّ: إنَّما حرَّم الحسنُ وغيرُه أختَ المرأة إذا زنى بأختها تنزيهًا وتوقِّيًا، وإذا قلنا بالتَّحريم لِمَنْ زنى بابنة امرأةٍ وأمِّها وقلنا: تحرم عليه امرأته، هل ينزَّه فيُؤمر بذلك أو يُخيَّر عليه؟ فيه تردُّدٌ.
          وعند المالكيَّة إذا وطئ ابنته ظانًّا أنَّها امرأته هل تحرم عليه امرأته أم لا؟ قال سُحْنون: لا، وأُنكر عليه، ونزلتْ بشخصٍ ففارق.
          وقول أبي هريرة: (لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ حَتَّى تُلْزَقَ بالْأَرْضِ) وهو بفتح الزَّاي.