التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب المداراة مع النساء

          ░79▒ بابُ المُدَارَاةِ مَعَ النِّسَاءِ. وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: (إِنَّما المَرْأَةُ كَالضِّلَعِ).
          5184- ثُمَّ أسندَه عنه مِن حديث أبي هريرة: (المَرأَةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوجع).
          هذا الحديث ثبتَ بألفاظٍ أُخر، ففي لفظٍ: ((فإنَّهنَّ خُلقن مِنْ ضلعٍ، وإن أعوج شيءٍ في الضِّلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمَه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنِّساء خيرًا))، ذكره في الباب بعده [خ¦5185]، وفي آخر عند مسلمٍ: ((لن تستقيم لك على طريقةٍ، فإن استمتعت بها استمتعتَ بها وبها عوجٌ، وإن ذهبت تقيمَها كسرتَها، وكسرُها طلاقُها))، وفي لفظٍ لأبي بكرٍ جعفر بن مُحمَّدٍ الفِرْيابيِّ في «كتاب النِّكاح»: ((لن تستقيم لك المرأة على خليقةٍ واحدةٍ، إنَّما هي كالضِّلع، فاستمتع بها على ما كان فيها مِنْ عوجٍ)).
          ومِنْ حديث سَمُرة بن جُندبٍ مرفوعًا بإسنادٍ فيه شيخٌ لا يُعرف: ((إنَّما المرأة خُلقت مِنْ ضلعٍ، وإنَّك إن تُرد إقامتَها تكسرُها، فدارِها تعشْ بها، فدارها تعشْ بها)) وقد نظم هذا المعنى:
هِيَ الضِّلَعُ العَوْجَاءُ لَيْسَ يُقِيمُها                     أَلَا إِنَّ تَقْوِيمَ الضُّلوعِ انْكِسَارُها
أَتَجْمَعُ ضَعْفًا وَاقْتِدارًا على الفَتَى                     أليسَ عَجِيبًا ضَعْفُها وَاقْتِدَارُها
          وقول البخاريِّ: باب المداراة، كذا هو في الأصول، قال ابن فارسٍ: دارأتُ فلانًا إذا دفعتَه، وداريتُه خَتَلْتُهُ ولايَنْتُه، وقد سوَّى أبو عُبيدٍ بينهما في باب ما يُهمز وما لا يُهمز، والضِّلَع بكسر الضَّاد وفتح اللَّام، وقِيل بسكونها.
          قال ثابتٌ في «دلائله» بعد أن حكى اللُّغتين: وإنَّما سُمِّيت بذلك المرأة لأنَّها مِنَ المرء خُلقت. قال أبو زيدٍ: يُقال هو المرء والامرء، وهي المرأة والمراة والمَرَةُ والمريان، ولا تُجمع.
          قولُه: (كَالضِّلَعِ): يريد أنَّها عوجاء كالضِّلع. والعوج: قال ابن السِّكِّيت: هو بفتح العين فيما كان منتصبًا كالحائط والعود، وما كان في نشاطٍ أو دينٍ أو معاشٍ فهو بكسر العين، يُقال: في دينه عِوجٌ، ويؤيِّد ما ذكرَه قولُه تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه:107].
          وقال غيرُه: هو بالفتح في كلِّ شخصٍ مرئيٍّ، وبالكسر فيما ليس بمرئيٍّ كالكلام. وقال أبو عمرٍو الشَّيبانيُّ: هو بالكسر فيهما جميعًا، ومصدرُهما بالفتح معًا، حكاه ثعلب عنه. وقال الجَوْهريُّ: هو بالفتح مصدر قولك: عَوِجَ بالكسر فهو أَعْوَجُ، والاسم: العِوج بكسر العين.
          وقولُه: (وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ) ولم يقلْ أعلاها، والضِّلع مؤنَّثةٌ، وكذلك قولُه: (لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ) ولم يقل عوجاء لأنَّ تأنيثَه ليس بحقيقيٍّ.
          وقال الدَّاوُديُّ: إنَّما قال (كَالضِّلَعِ) لأنَّها خُلقت مِنْ ضلع آدم، مِنْ قصيرتِه، نام نومةً فاستلَّ الملَك ضِلْعَه، فخُلقت منه حوَّاء، فاستيقظ آدم وهي جالسةٌ عنده، فضمَّها إليه. قال: وقولُه: (أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ) ضرَبَه مثلًا على المرأة لأنَّ فيه اللِّسان وهو الذي يُتَّقَى مِنَ / المرأة، وقِيل في قولِه تعالى: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء:90] أنَّها كان في لسانها طولٌ فأذهب عنها ذلك، ورُوي عنه ◙ أنَّه قال في آدم: ((فَضَلْتُه بثلاثٍ: كانت زوجته عونًا عليه وكانت زوجتي عونًا لي، ووسوس إليه شيطانه وأعانني اللهُ على شيطاني فأسلم، فلا يأمرني إلَّا بخير)).
          فصل: والمداراة أصل الألفة واستمالة النُّفوس مِنْ أجل ما جَبَلَ اللهُ عليه خَلْقَهُ وطَبَعهم مِنِ اختلاف الأخلاق، وقد قال ◙: ((مداراة النَّاس صدقةٌ)).
          وقد عرفنا في هذا الحديث أنَّ سياسة النِّساء أخذ العفو منهنَّ والصَّبر على عوجهنَّ، وأنَّ مَنْ رام إقامة ميلهنَّ عن الحقِّ وأراد تقويمهنَّ عُدِمَ الانتفاعَ بهنَّ وتَجَنَّبَهُنَّ لقولِه: (وإِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا) ولا غنى بالإنسان عن امرأةٍ يسكن إليها، ويستعين بها على معاشه ودنياه، فلذلك قال ◙: إنَّ الاستمتاع بالمرأة لا يكون إلَّا بالصَّبر على عوجها.