التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الهدية للعروس

          ░64▒ (بَابُ: الهَدِيَّةِ لِلْعَرُوسِ).
          5163- (وَقَالَ إبْرَاهِيمُ) يعني ابن طَهْمان (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَاسْمُهُ الجَعْدُ) بنُ عثمان، وقيل: ابنُ دينارٍ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ☺، قَالَ: مَرَّ بِنَا فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عِنْدَهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم عَرُوسًا بِزَيْنَبَ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ: لَوْ أَهْدَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم هِدِيَّةً، فَقُلْتُ لَهَا: افْعَلِي، فَعَمَدَتْ إِلَى تَمْرٍ وَأَقِطٍ وَسَمْنٍ، فَاتَّخَذَتْ حَيْسَةً فِي بُرْمَةٍ فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِي...) الحديثَ.
          كذا أخرجه هنا معلَّقًا، ثُمَّ وصله مرَّةً [خ¦5450] بقوله: حَدَّثنا الصَّلْتُ بن مُحمَّدٍ، حَدَّثنا حمَّاد بن زيدٍ عن الجَعْد أبي عثمان، وعن هشامٍ عن مُحمَّد وسنان أبي ربيعة عن أنسٍ.
          ورواه مسلمٌ عن قتيبة عن جعفر بن سليمان عن الجَعْد، وعن مُحمَّد بن رافعٍ عن عبد الرَّزَّاق عن مَعمرٍ عن الجَعْد به، ورواه التِّرْمِذيُّ في التَّفسير عن قتيبة بإسناده نحوه، وقال: حسنٌ صحيحٌ، ورواه النَّسَائيُّ عن أحمد بن حفص بن عبد الله عن أبيه عن إبراهيم بن طَهْمان عن أبي عثمان به، وأخرجه هنا في موضعين، والتَّفسير.
          وفيه: ما ترجم له؛ وهو الهديَّة للعُرس مِنْ أجل أنَّه مشغولٌ بأهله ومانعٌ بها عن تهيئة الطَّعام واستعماله فلذلك استُحِبَّ أن يُهدَى لهم طعامٌ مِنْ أجل اشتغالهم عنه بأوَّل اللِّقاء، كما كان هذا المعنى في الجنائز لاشتغالهم بالحزن حتَّى تسمَّى ذَلِكَ الطَّعام تعزيةً، وكان النَّاس قديمًا يصنعونها، فأقرَّها الإسلام.
          وفيه قَبول الهديَّة، وفيه أنَّ مِنْ سنَّة العروس إذا فضل عنده طعامٌ أن يدعو له مَنْ حضرَ إليه مِنْ إخوانه فيكون زيادةً في الإعلان بالنِّكاح وسببًا إلى صالح دعاء الأكَّالين ورجاء البركة بأكلهم، وفيه عَلمٌ مِنْ أعلام النُّبوَّة، وهو أكلُ القومِ الكثير مِنَ الطَّعام القليل، وفي مسلمٍ: كانوا زهاء ثلاث مئةٍ. وفيه أنَّه لا بأس بالصَّبر عَلَى الأذى مِنَ الصَّدِّيق والجار، والمعرفة والاستحياء منه، ولا سيَّما إذا لم يقصد الأذى، وإنَّما كان عن جهلٍ أو غفلةٍ، فهو أولى أن يُسْتَحيا منه لذلك، وفيه الهديَّة ولو قلَّت؛ لأنَّ المودَّة إذا صحَّت سقط التَّكليف وإن كانت قليلةً فحالُ أمُّ سُليمٍ أقلُّ، وقد شرع الباري تعالى قَبول القليل مِنْ عباده عَلَى كثير نعمه عليهم، وفيه اتِّخاذ الوليمة بعد الدُّخول كما قال ابن العربيِّ وابن التِّينِ، وهي إنَّما كانت قبله عند إرادته، وفيه دعاءُ النَّاس إلى الوليمة بغير تسميةٍ ولا تكلُّفٍ، وهي السُّنَّة، لا بالوجوه، وفي الحديث: ((ادعُ لي رجالًا _سمَّاهم_ وادع مَنْ لقيت)).
          وفيه خروجه ◙ ودخوله، ولم يقل لِمَنْ كان جالسًا: اخرج، وهو دالٌّ عَلَى حسن المعاملة في المجالسة حتَّى يفطن الجليس لما يُراد منه بالكناية دون التَّصريح لفرط حيائه ◙، وفيه إذنٌ في تكليم المرأة في الحاجة دون الحجاب، وليس كلامُها عورةً في هذا المقدار بل رخصةٌ مِنَ الله، وفيه التَّسمية عَلَى الأكل.
          فصلٌ: معنى: (مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ) أي نواحيها، والْجَنَبَاتُ النَّواحي، ويحتمل أن يكون مأخوذًا مِنَ الجناب، وهو الفِناء، فكأنَّه يقول: إذا مرَّ بفِنائها.
          وقوله: (وهو غَاصٌّ بِأَهْلِهِ) أي ممتلئٌ.
          وقوله: (فَبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ) النَّفَرُ مِنَ الثَّلاثة إلى العشرة، وفي روايةٍ: أنَّهم ثلاثةٌ، وفي أخرى: اثنان، وقول أنسٍ: (إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا) وقال قبل هذا: إنَّهما رجلان، ولا أدري أَخْبَرْتُه أم أُخبِرَ بخروجهما. ويحتمل أن يكون حدَّث عَلَى الشَّكِّ بعد ذَلِكَ، أو حدَّث أنَّه هو المُخبِر ثُمَّ طرأ عليه الشَّكُّ، وفي التِّرْمِذيِّ: وجلسَ طوائفُ يتحدَّثون في بيتِ رسول الله صلعم.
          وقوله: ({غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}) أي إدراكه ونضجَه.
          وقوله: (وَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُ خَدَمَ رَسُولَ الله صلعم عَشْرَ سِنِينَ) قلتُ: وتوفِّي رسول الله صلعم وهو ابن عشرين، مات سنة ثلاثٍ أو اثنتين وتسعين، وقد نيَّف عَلَى المئة بزيادة سنتين أو ثلاثٍ، وجاء في باب: الوليمة حقٌّ [خ¦5166]: فمشى النَّبِيُّ صلعم ومشيتُ معه، حتَّى جاء عَتَبة حجرة عائشة.
          (العَتَبَةُ) بفتح التَّاء أُسْكُفَّة الباب، وسلفَ الخُلْفُ في وجوب الوليمة، وأنَّ الأظهرَ عند الشَّافعيِّ أنَّها سنَّةٌ، وفي قولٍ أو وجهٍ: واجبةٌ، وهو مذهب أحمد.