التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا تطيع المرأة زوجها في معصية

          ░94▒ (بَابُ لَا تُطِعُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي مَعْصِيَةٍ)
          5205- ذكر فيه حديثَ عَائِشَة ♦: (أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوَّجَتِ ابْنَتَهَا فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، وَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا، قَالَ: لَا إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمُوصِلاَتُ).
          وأخرجه في اللِّباسِ أيضًا [خ¦5934] ومُسْلِمٌ، وهو مطابقٌ لِمَا ترجم له، فواجبٌ على الْمَرْأَةِ أن لا تطيع زوجَهَا في معصيةٍ، وكذلك مَن لَزِمَهَ طاعةُ غيره فلا يجوزُ طاعتُهُ في معصية الله تعالى، وَيَشْهَدُ لِهَذَا قولُه ◙ حين أَمَّرَ على بَعْثٍ أَمِيْرًا وأَمَرَ النَّاسَ بِطَاعَتِهِ، فَأَمَرَهُم ذلك الأَمِيرُ أَنْ يَقْتَحِمُوا في النِّارِ... الحديث، وفي آخِرِهِ: ((إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)) وصَوَّبَ قولَهم، وقد جاءَ عنه: ((لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ)).
          وقولُهُ: (فَتَمَعَّطَ شَعْرُهَا) العربُ تقولُ: مَعِطَ الشَّعْرَ وامَّعَطَ مَعطًا إِذَا تَمَرَّطَ، ومَعَطتُه نَتَفتُهُ، والأَمْعَطُ مِنَ الرِّجَالِ: السَّنُوطُ، قالَ أبو حاتِمٍ: وَالذِّئْبُ يُكَنَّى أَبَا مُعْطَة، وفي كتابِ «العين»: ذِئْبٌ أَمْعَطٌ خَبِيْثٌ؛ لأنَّ شعْرَهُ تَمَعَّطَ فَتَأَذَّى بِالذُّبَابِ.
          ثُمَّ الحديثُ رَدٌّ على مَنْ جَوَّزَهُ مِن أصحابنا بإذْنِ الزَّوْجِ، وفي «مُسند أحمدَ» مِن حديثِ ابن مسعودٍ ☺: نهى عنه إلَّا مِن داءٍ.
          وَالتَّحْرِيْمُ إِمَّا لِكَوْنِهِ تَدْلِيْسًا، أَوْ شِعَارُ الفَاجِرَاتِ، أَو تَغْيِيْرُ خَلْقِ الله، ولا يُمَنعُ مِن الأدويةِ الَّتي تُزِيْلُ الْكَلَفَ وتُحَسِّنُ الوجهَ للزَّوْجِ، وكذا أَخْذُ الشَّعْرِ منه، وقد قالت عَائِشَة ♦: لوْ كان في وجْهِ بنات أخي لَأَخْرَجْتُهُ. وفي لفظٍ: سُئِلْتُ عن قَشْرِ الوَجْهِ فقالتْ: إنْ كان شيءٌ وُلِدَتْ وهو بها فلا يَحِلُّ لَهَا إِخْرَاجُه، وإن كانَ في شيءٍ حدَثَ فلا بأسَ بقشْرِهِ. وفي لفظٍ: إن كان لِلزَّوْجِ فَافْعَلِي. ونَقَلَ أبو عُبَيدٍ عن الفقهاءِ الرُّخْصَةَ في كلِّ شيءٍ وُصِلَ به الشَّعْرُ ما لم يكنِ الوَصْلُ شعرًا.
          فَصْلٌ: يَدْخُلُ في ترجمةِ البابِ ما لو أرادَ وَطْأَهَا في الدُّبُرِ، فإنَّهُ يَحْرُمُ عليها إِعَانَتَهُ، وفيه عِدَّةُ أحاديثَ أُفْرِدَتْ بالتَّأْلِيفِ، وصحَّحَ ابنُ حبَّان منها حديثَ ابن عبَّاسٍ ☻، وابنُ حَزْمٍ حديثَ خُزَيْمَةَ بن ثابتٍ وابنَ عبَّاسٍ أيضًا، وحَسَّنَ التِّرمِذِيُّ حديث ابن عُمَرَ.