إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب:{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا}

          ░11▒ هذا (بَابٌ) بالتَّنوين في قوله تعالى: ({إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ}) يريدون ({أَن تَشِيعَ}) أن تنتشر ({ الْفَاحِشَةُ}) الزنى ({فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا}) الحدُّ ({وَالْآخِرَةِ}) النارُ، وظاهرُ الآية يتناول كلَّ مَن كان بهذه الصفة، وإنَّما نزلت في قذف عائشة، إلَّا أنَّ العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ({وَاللهُ يَعْلَمُ}) ما في الضمائر ({وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}) وهذا نهايةٌ في الزَّجْر؛ لأنَّ مَن أحبَّ إشاعة الفاحشة، وإن بالغ في إخفاء تلك المحبة؛ فهو يعلم أنَّ الله تعالى يعلم ذلك منه، ويعلم قدر الجزاء عليه ({وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}) لعاجلكم بالعقوبة، فجواب «لولا» محذوف ({وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ}) بعباده ({رَحِيمٌ}[النور:19-20]) بهم، فتاب على مَن تاب، وطهَّر مَن طهَّر منهم بالحدِّ، وسقط لأبي ذرٍّ قوله: «{فِي الَّذِينَ آمَنُوا}...» إلى آخره، وقال بعد قوله: { الْفَاحِشَةُ}: ”الآيةَ إلى قوله: {رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}“.
          (تَشِيعَ) أي: (تَظْهَرُ) قاله مجاهدٌ، وسقط هذا لغير أبي ذرٍّ.
          ({وَلَا يَأْتَلِ}) ولأبي ذرٍّ: ”وقوله: {وَلَا يَأْتَلِ}“ أي: يفتعل؛ مِن الأَليَّة وهي الحَلِف، أي: ولا يحلف ({أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا}) أي: على ألَّا يُؤْتوا ({أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرينَ فِي سَبِيلِ اللهِ}) يعني: مِسطَحًا، و«لا»: تُحذف في اليمين كثيرًا، قال الله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ}[البقرة:224] يعني: ألَّا تَبَرُّوا، وقال امرؤُ القيس:
فقلتُ: يمينَ اللهِ أبرحُ قاعدًا                     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي: لا أبرح.
          ({وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}) عمَّن خاض في أمر عائشةَ ({أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ}) يُخاطبُ أبا بكرٍ ({وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[النور:22]) أي: فإنَّ الجزاء من جنس العمل، فإذا غفرتَ يُغفَرُ لك، وإذا صفحتَ يُصفَح عنك(1)، وسقط لأبي ذرٍّ من قوله: «{ة وَالْمُهَاجِرينَ}...» إلى آخر قوله: «{أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ}» وقال بعدَ قوله: {وَالْمَسَاكِينَ}: ”إلى قوله: {وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}“.


[1] في (د) و(ص) و(م): «لك».