إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: دخل النبي مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب

          4720- وبه قال: (حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ) عبدُ الله بنُ الزبير قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) ابنُ عُيينةَ (عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ) عبدِ الله، واسمُ أبي نَجِيح _بفتح النون وكسر الجيم_ يسارٌ، ضدُّ اليمين (عَنْ مُجَاهِدٍ) هو ابنُ جَبْرٍ (عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ) بفتح الميمين، عبدِ الله بن سَخْبَرَةَ الأزديِّ الكوفيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلعم مَكَّةَ) أي: عام الفتح (وَحَوْلَ البَيْتِ) أي: والحال أنَّ حول البيت(1) (سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِئَةِ نُصُـْبٍ) بضمِّ النون والصاد، ولأبي ذرٍّ: ”نَصْبٍ“ بفتح النون وسكون الصاد، مجرور فيهما، وقد تسكَّنُ الصاد مع ضمِّ النون، قال في «فتح الباري» _كـ «تنقيح الزركشي» و«السفاقسي» واللفظ للأوَّل_: كذا للأكثر هنا بغير ألف، وكذا وقع في رواية سعيد بن منصورٍ، لكن وقع(2) بلفظ صنم، والأوجهُ نصبهُ على التمييز؛ إذ لو كان مرفوعًا؛ لكان صفةً، والواحدُ لا يقع صفة للجمع. انتهى. قال في «المصابيح» _متعقِّبًا لِمَا قاله في «التنقيح»_: من ذلك هنا عددان كلٌّ منهما / يحتاج إلى مميز، فالأول: مُمَيِّزُه منصوبٌ؛ يعني: ستون نُصُبًا، والثاني: مُمَيِّزُه مجرورٌ؛ يعني: ثلاث مئة نُصُبٍ، فإنْ عنى أنَّه مُمَيِّزٌ لكلا العددين فخطأٌ، والظاهرُ أنَّه مجرورٌ، كما وقع في بعض النسخ، تمييزٌ لثلاث مئة، ومُمَيِّزُ سِتُّونَ محذوفٌ؛ لوجود الدال عليه، وأمَّا قولُه: ولا وجه للرفع؛ إذ(3) لو كان مرفوعًا لكانَ صفةً... إلى آخره؛ فلم ينحصر وجه الرفع فيما ذُكِرَ حتى يتعيَّنَ فيه الخطأُ لجواز أن يكون «نُصُبٌ» خبرَ مبتدأٍ(4) محذوفٍ، أي: كلٌّ منها نُصُبٌ. انتهى. وقال العيني: النَّصْبُ واحدُ الأنصاب، قال الجوهريُّ‼: وهو ما يُعبَدُ مِن دون الله، وكذلك النُّصُب _بالضم_ واحد الأنصاب، قال: وفي دعوى الأوجهية(5) نظر؛ لأنَّه إنَّما يتَّجه إذا جاءتِ الروايةُ بالنصب على التمييز، وليستِ الرواية إلَّا(6) بالرفع، فحينئذٍ الوجهُ أن يُقال: النصب ما نُصِبَ، أعم من أن يكون واحدًا أو جمعًا(7)، وأيضًا هو في الأصل مصدر «نصبتُ الشيء»: إذا أقمتَه، فيتناول عموم الشيء. انتهى. ومرادُه: الاستدلالُ على كون النصب هنا جمعًا، فيصحُّ أن يكون صفةً للجمع، لكن قوله: «وليستِ الروايةُ إلَّا بالرفع» فيه نظرٌ فليُحرَّر، والذي رأيتُه في جملة من الفروع المعتمدة المقابلة على «اليونينية» المجمع عليها في الإتقان وتحرير الضبط بالجرِّ، ولم أرَ غيرَه في نسخةٍ، ومَن عَلِمَ حجَّةٌ على مَن لم يعلم، لكن قول الحافظ ابن حجر بعد ذكره ما مرَّ: أو هو منصوب، لكنَّه كُتِبَ بغير ألف على بعض اللغات يُدلُّ على أنَّه لم يثبتْ عندَه فيه روايةٌ فيَجْزِمَ بها، فتأمَّله.
          (فَجَعَلَ) ╕ (يَطْعُنُهَا) بضمِّ العين (بِعُودٍ فِي يَدِهِ) وفي الفرع كأصله: فتح العين من ”يطَعنها“ أيضًا، لكن المعروف أنَّ المفتوح للطعن في القول (وَيَقُولُ: {جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء:81]) الواو للعطف على «فجعل يطعُنها»، أو للحال ({جَاء الْحَقُّ}) أي: القرآنُ، أو التوحيدُ، أو المعجزاتُ الدالَّةُ على نبوَّته ╕ ({وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}[سبأ:49]) يجوزُ في {مَا} أن تكون نفيًا، وأن(8) تكون استفهامًا، ولكن يؤول معناها إلى النفي، ولا مفعول للفعلين؛ إذ المُرادُ: لا يوقع هذين الفعلين، كقوله:
أَقْفَرَ من أهلهِ(9) عبيدُ                     أصبحَ لا يُبدي ولا يعيدُ
أو حُذِفا(10)، أي: ما يبدئ لأهله خبرًا(11) ولا يعيده، والمعنى: ذهب الباطل وزهق، فلم(12) تبقَ منه بقيةٌ تبدئ شيئًا أو تعيد.


[1] في (ب) و(س): «أن البيت حوله».
[2] «وقع»: ليس في (د).
[3] في (س): «إذا».
[4] في (د): «لمبتدأ».
[5] في (د): «الأوجه».
[6] «إلا»: ليس في (م).
[7] في (ج): «جمعٌ»، وبهامشها: كذا بخطِّه.
[8] في (ص): «أو أن».
[9] في (ب): «أهلته».
[10] أي: المفعولين.
[11] في (د): «خيرًا».
[12] في (د): «ولم».