إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{و قضينا إلى بني إسرائيل}

          ░2▒ ({وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الإسراء:4]) قال أبو عبيدة أي: (أَخْبَرْنَاهُمْ أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ) والمرَّتين في الآية: أولاهما: قتل زكريَّا وحبس أرمياء حين أنذرهم سخط الله، والآخرة: قتل يحيى بن زكريَّا وقصد قتل عيسى ابن مريم (وَالقَضَاءُ) يأتي (عَلَى وُجُوهٍ) كثيرةٍ ({وَقَضَى رَبُّكَ}[الإسراء:23]) أي: (أَمَرَ رَبُّكَ) أمرًا مقطوعًا به، وسقط لفظ «ربُّك» لأبي ذَرٍّ (وَمِنْهُ الحُكْمُ) كقوله تعالى: ({ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ}(1)[يونس:93]) أي: يحكم بينهم (وَمِنْهُ الخَلْقُ) كقوله تعالى: ({فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}[فصلت:12]) زاد أبو ذَرٍّ: ”خلقهنَّ“.
          ({نَفِيرًا}) في قوله: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}[الإسراء:6] قال أبو عبيدة: أصلُه (مَنْ يَنْفُـِرُ مَعَهُ) أي: مع الرَّجل من قومه وعشيرته، وقيل: جمع نفرٍ؛ وهم المجتمعون للذَّهاب إلى العدوِّ، وفاءُ «ينفُـِر♣» بالكسر والضَّمِّ.
          ({مَّيْسُورًا}) في قوله تعالى: {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا}[الإسراء:28]: (ليِّنًا) ابتغاء رحمة الله برحمتك عليهم، وثبتت هذه هنا لأبي ذَرٍّ، وتأتي بعدُ إن شاء الله تعالى.
          ({وَلِيُتَبِّرُواْ}) أي: (يُدَمِّرُوا {مَا عَلَوْاْ (2)}[الإسراء:7]) من التَّدمير؛ وهو الإهلاك، أي: ليهلكوا ما غلبوه واستولوا عليه.
          ({حَصِيرًا}) في قوله: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}[الإسراء:8] أي: (مَحْبِسًا) بفتح الميم وكسر الموحَّدة، لا يقدرون على الخروج منها أبد الآباد (مَحْصَرًا) بفتح الميم والصَّاد المهملة: اسمٌ لموضع الحصر.
          ({حَقَّ}) {عَلَيْهَا الْقَوْلُ}[الإسراء:16] أي: (وَجَبَ) عليها كلمة العذاب السَّابقة ({ مَّيْسُورًا}[الإسراء:28]) أي: (لَيِّنًا) وسبق قريبًا.
          ({خِطْأً}) من قوله: {إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً}[الإسراء:31] أي: (إِثْمًا؛ وَهْوَ) أي: الخطأ: (اسْمٌ مِنْ «خَطِئْتُ»، وَالخَطَأُ مَفْتُوحٌ: مَصْدَرُهُ مِنَ الإِثْمِ، خَطِئْتُ) بكسر الطَّاء(3) (بِمَعْنَى: أَخْطَأْتُ) كذا قاله أبو عبيدة، وتبعه المؤلِّف ► ، وتُعُقِّب بأنَّ جعله {خِطْأً} بكسر الخاء اسمُ مصدرٍ ممنوعٌ، وإنَّما هو مصدر خَطِئَ يخطأ، كأَثم يأثَم إثمًا؛ إذا تعمَّد الذَّنب، وبأنَّ دعواه أنَّ {خِطْأً} المفتوحَ الخاءِ والطَّاءِ _وبها قرأ ابن ذكوان_ مصدرٌ بمعنى الإثم ليس كذلك، وإنَّما هو اسم مصدرٍ من: أخطأ يخطئ إخطاءً؛ إذا لم يُصِبْ، والمعنى فيه: أنَّ قتلهم كان غير صوابٍ، وبأنَّ قوله: «خَطِئتُ» بمعنى: «أخطأت» خلافُ قول أهل اللُّغة(4): خَطِئ: أثم وتعمَّد الذنب، وأَخطَأ؛ إذا لم يتعمَّد.
          ({تَخْرِقَ}) في قوله: { إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ}[الإسراء:37] أي: لن (تَقْطَعَ) الأرض لشدَّة وطأتك، وسقط هذا لأبي ذَرٍّ.
          ({وَإِذْ هُمْ نَجْوَى}[الإسراء:47] مَصْدَرٌ مِنْ(5): نَاجَيْتُ، فَوَصَفَهُمْ بِهَا) أي: بالنَّجوى، فيكون من إطلاق المصدر على العين مبالغةً، أو على حذف مضافٍ، أي: ذوو(6) نجوى، ويجوز أن يكون جمع نجيٍّ؛ كقتيلٍ وقتلى (وَالمَعْنَى: يَتَنَاجَوْنَ).
          وقوله: ({وَرُفَاتًا}) يريد قوله تعالى: {وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا}[الإسراء:49] أي: (حُطَامًا) وقال الفرَّاء: هو التُّراب، ويؤيِّده أنَّه قد تكرَّر في القرآن‼ {تُرَابًا وَعِظَامًا}[المؤمنون:82].
          ({وَاسْتَفْزِزْ}) أي: (اسْتَخِفَّ) الَّذي استطعت استفزازه منهم ({بِخَيْلِكَ}: الفُرْسَانِ) بالجرِّ، فالخيل: الخيَّالة، ومنه قوله ╕ : «يَا خَيْلَ اللهِ ارْكَبِي» (وَالرَّجْلُ) بفتح الرَّاء وسكون الجيم، يريد قوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}[الإسراء:64] ولأبي ذَرٍّ: ”والرِّجال“ بكسر الرَّاء وتخفيف الجيم: هو (الرَّجَّالَةُ) بفتح الرَّاء وتشديد الجيم (وَاحِدُهَا: رَاجِلٌ) ضدُّ الفارس (مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ)، قاله أبو عبيدة.
          ({حَاصِبًا}) في قوله تعالى: {أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا}[الإسراء:68] هو(7) (الرِّيحُ العَاصِفُ) أي: الشَّديد، ولم يؤنِّثه لأنَّه مجازيٌّ (وَالحَاصِبُ أَيْضًا: مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ، وَمِنْهُ: {حَصَبُ جَهَنَّمَ}[الأنبياء:98]) أي: (يُرْمَى بِهِ / فِي جَهَنَّمَ) بضمِّ الياء وفتح الميم مبنيًّا للمفعول (وَهْوَ) أي: الشَّيء الَّذي يُرمى به، ولأبي ذَرٍّ: ”وهم“، أي: القوم الَّذين يرمون فيها (حَصَبُهَا، وَيُقَالُ: حَصَبَ فِي الأَرْضِ) أي: (ذَهَبَ) فيها (وَالحَصَبُ) محرَّكًا: (مُشْتَقٌّ مِنَ الحَصْبَاءِ وَالحِجَارَةِ) قال العينيُّ: لم يُرِد بالاشتقاق الاشتقاقَ المصطَلَح عليه؛ أعني: الاشتقاق الصَّغير لعدم صدقه عليه، وتفسير الحصباء بالحجارة هو من تفسير الخاصِّ بالعامِّ، قالوا: والحصب: الرَّمي بالحصباء؛ وهي الحجارة الصِّغار، قال الفرزدق:
مُسْتَقْبِلِينَ شَمالَ الشَّامِ تضـربُهم                     حصباءُ مثلُ نَديفِ القُطنِ مَنْثورُ
          ولغير أبي ذَرٍّ: ”والحصباء والحجارة“ بزيادة واو.
          ({تَارَةً}) في قوله تعالى: {أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً (8)}[الإسراء:69] أي: (مَرَّةً) فهي مصدرٌ (وَجَمَاعَتُهُ) أي: لفظ «تارةً»: (تِيَرَةٌ) بكسر الفوقيَّة وفتح التَّحتيَّة (وَتَارَاتٌ) قال الشَّاعر:
وَإِنْسانُ عَيْني يَحْسِـرُ الماءَ تارةً                     فيبدو وَتَاراتٍ يَجمُّ فَيَغْرقُ
وألفها يحتمل أن تكون عن واوٍ أو ياءٍ(9)، قال الرَّاغب: وهو فيما قيل من تَارَ الجرح؛ بمعنى: اِلتأمَ.
          ({لأَحْتَنِكَنَّ}) في قوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ}[الإسراء:62] أي: (لأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ) أي: بالإغواء، وقيل: لأستولينَّ عليهم استيلاء من جعل في حنك الدَّابة حبلًا يقودها، فلا تأبى ولا تشمس عليه (يُقَالُ: احْتَنَكَ فُلَانٌ مَا عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ عِلْمٍ) أي: (اسْتَقْصَاهُ) وعن مجاهدٍ فيما رواه سعيد بن منصورٍ {لأَحْتَنِكَنَّ}: لأحتوينَّ، قال: يعني: شبه الزِّناق، وقال ابن زيدٍ: لأُضِلَّنَّهم، وكلُّها متقاربةٌ.
          ({طَآئِرَهُ}) في قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ}[الإسراء:13]: هو (حَظُّهُ) بالحاء المهملة والظَّاء المعجمة، وقال ابن عبَّاسٍ: «خيره وشرُّه مكتوبٌ عليه لا يفارقه» وقال الحسن _فيما رواه السَّمرقنديُّ_: عمله. زاد في «الأنوار»: وما قُدِّر له، كأنَّه طير إليه من عُشِّ الغيب، والمعنى: أنَّ عمله لازمٌ له لزوم القلادة أو الغلِّ(10) لا ينفك عنه، وخصَّ العنق حيث قال: {فِي عُنُقِهِ} من بين سائر الأعضاء؛ لأنَّ الَّذي عليه‼ إمَّا أن يكون خيرًا يَزِينه، أو شرًّا يَشِينه، وما يزيِّن يكون كالطَّوق والحُليِّ، وما يشين يكون كالغلِّ.
          (قَالَ) ولأبي ذَرٍّ: ”وقال“ (ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ممَّا وصله ابن عيينة في «تفسيره» في قوله: {وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}[الإسراء:80] وقوله: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}[الإسراء:33]: (كُلُّ سُلْطَانٍ) ذُكِرَ (فِي القُرْآنِ فَهُوَ حُجَّةٌ) فمعنى: {سُلْطَانًا نَّصِيرًا} حجَّةٌ ينصرني على مَن خالفني، و{جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} حجَّةً يتسلَّط بها على المؤاخذة بمقتضى القتل.
          ({وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ}[الإسراء:111]) أي: (لَمْ يُحَالِفْ) بالحاء المهملة، أي: لم يوالِ (أَحَدًا) من أجل مذلَّةٍ به ليدفعها بموالاته.


[1] زيد في (د): «{بِحُكْمِهِ}».
[2] «{مَا عَلَوْاْ}»: ليس في (د).
[3] زيد في (د): «كذا».
[4] زيد في (د): «لأنَّ»، وفي (م): «إنَّ».
[5] «مِن»: ليس في (د).
[6] في (د): «ذو».
[7] «هو»: ليس في (د).
[8] زيد في (د): «{أُخْرَى}».
[9] «أو ياء»: ليس في (م).
[10] في (د): «الفعل».