نجاح القاري لصحيح البخاري

{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}

          ░15▒ (باب قَوْلِهِ) ╡: / ({إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]) هذا حكايةٌ عن كلام عيسى ◙، ذكر ذلك على وجه التَّسليم لأمره ╡ والاستعطاف، والمعنى: إنْ تُعذِّب هؤلاء فذلك بإقامتهم على كفرهِم، ولا تعذِّب إلَّا عبادك، فلا اعتراضَ عليك؛ لأنَّك مالك أمرهِم وهم يستحقُّون ذلك حيث عبدوا غيرك وإن تغفر لهم، فإنَّك قادرٌ على ذلك لا يمتنعُ عليك ما تريد حكيمٌ في ذلك.
          فإن قيل: كيف جاز أن يقولَ: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} فيعترض بسؤاله العفو عنهم مع علمه بأنَّه تعالى قد حكم بأنَّ من يُشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنَّة.
          أُجيب: بأنَّ هذا ليس بسؤالٍ، وإنَّما هو كلامٌ على طريق إظهار قدرتهِ تعالى على ما يريد على مقتضى حكمه وحكمتهِ، ولذا قال: {فإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ} تنبيهًا على أنَّه لا امتناعِ في ذلك لذاته، ولا اعتراض على حكمهِ وحكمته، فإن عذِّب فعدلٌ، وإن عفا ففضلٌ، قال:
أَذْنَبْتُ ذَنْبًا عَظِيْمًا                     وَأَنْتَ لِلْعَفْوِ أَهْلُ
فَإِنْ عَفَوْتَ فَفَضْلٌ                     وَإِنْ جُزِيْتَ فَعَدْلُ
          وعدم غفران الشِّرك مقتضى الوعيد فلا امتناعَ فيه لذاته، فإن قيل: الأنسبُ أن يقالَ: العزيزُ الغفورُ، فما الحكمة في قوله: الحكيم؟
          فالجواب: أنَّ المعنى أنت الحكيم الَّذي لا تفعل إلَّا بمقتضى الحكمة لا بالنَّظر إلى أنَّهم يستحقُّون المغفرة بل باعتبار أنَّ فعلك لا يكون إلَّا على وجه الصَّواب سواءٌ عدلت أو عفوت، وسقط في رواية أبي ذرٍّ قوله: <{وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ}>...إلى آخره، وقال بعد قوله: {فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ}: <الآية>.